مَن في إسرائيل لا يعرف أغاني سريت حداد؟! حتى في الدول المجاورة، الأردن، لبنان، ومصر، سمعوها تؤدي خيرة أغاني أم كلثوم وفيروز والفنانَين العصريَّين عمرو دياب واليسا، بعربية واضحة إلى حدّ بعيد. حوّلت سريت حداد رُوَيدًا رُوَيدًا حلم طفولتها إلى واقع ناجح بسرعة.
بدأت سريت حداد مسيرتها الموسيقية بسنّ مبكرة جدًّا. وُلدت حدّاد في مدينة العفولة باسم سارة حوددطوف في أسرة يهودية من أصل قوقازيّ. وقد كانت آخر العنقود بين أربعة إخوة وأربع أخوات. عام 1981، حين أتمت الثالثة من عمرها فقط، انتقلت أسرتها للسكن في الخضيرة. أراد والدها أن تصبح طبيبة أو ممثّلة، على أن تبتعد عن مجال الموسيقى فقط.
بمساعدة أختها، اعتادت حدّاد على الهرب من البيت دون علم والدَيها لإحياء حفلات في نوادٍ.
عام 1990، بسنّ 12 عامًا، اكتشف والداها سرّ حفلاتها، مانعَين إيّاها من مغادرة البيت لإحياء حفلات. في الفترة التي مُنعت فيها من إحياء حفلات، تعلمّت بمفردها العزف على عدّة آلات موسيقية، مثل الغيتارة، البيانو، الخشبية (الإكسيلوفون)، الأورغ، المزمار، الطبلة، التشيلو (الكمان الكبير)، الأكورديون، والمتردّدة (الترومبون). وانتظرت حدّاد إلى عام 1993، حين بلغت الخامسة عشرة من عمرها، لتعود إلى إحياء الحفلات. في إحدى حفلات الجوقة في نتانيا، رآها قائد الفرقة الموسيقية آفي غويتا، الذي أذهله صوتها المميّز، وعرض عليها عقدًا لإنتاج تسجيلات. في مقابَلات عديدة في الإعلام، قالت سريت إنّ سرّ نجاحها يكمن في التناغُم بينها وبين غويتا.
كان النجاح الباهر الأول في سن السابعة عشرة (عام 1995)، حين أصدرت سريت ألبومها الأول “نيتسوتس حييم” (ومضة حياة)، الذي تضمّن الأغنية الضاربة “شالوم حافير” (سلامًا صديقي). بين عشية وضحاها، أصبحت سريت أميرة الغناء الشرقي، الذي لم يحظَ حتى ذلك الحين بالاهتمام الكافي على الساحة الإسرائيلية، بل اعتُبر غناءً ثانويًّا.
استمعوا الى أغنية “شالوم حافير” ،سلامًا صديقي…
أمّا المحطّة الأهم في حياة حدّاد فكانت في تشرين الأول 1997 حين أحيت حفلات لنحو شهر في المملكة الأردنية تحت ستار مطربة فلسطينية باسم “سيريت حداد مطربة الكرمل”. في مقابلاتها الإعلامية، تعترف أنّ الغناء العربي جزءٌ لا يتجزأ من حياتها، حتى إنها تعترف أنها تأثرت في ألبومها الأخير بكثير من أغاني اليسا وعمرو دياب ألحانًا وكلمات. خلال مكوثها القصير نسبيًّا في المملكة الأردنية، أصدرت سريت أسطوانة باللغة العربية، رغم أنها ليست ناطقة باللغة.
شاهدوا سريت في مصر تسجّل أغاني باللغة العربية
عام 1998، صدر ألبومها الخامس “حوك هحييم” (قانون الحياة) الذي شكّل بالنسبة إليها التقدّم الأبرز. أدّى الألبوم إلى اختراق حدّاد التيّار المركزي الإسرائيلي. رُوَيدًا رُوَيدًا، بدأت سريت بدخول الوعي الثقافي كواحدة من أقوى المطربات بعشرات الأغاني الناجحة والتعاونات العديدة. بين الإيقاعات التي جرّبتها إيقاعات قوقازيّة، لاتينية، بوب، وشرقيّة. كذلك لم تترك الصلوات والمزامير.
بداية عام 2002 اختيرت حدّاد لتمثيل إسرائيل في مسابقة الغناء الأوروبية “الأوروفيزيون”. كانت الأغنية التي اختيرت “ندليك بياحَد نِر” (لنضئ معًا شمعة)، وأنهت المسابقة في المركز الثاني عشر.
واصلت سريت إصدار أغانٍ ضاربة على مرَ السنين. ووفقًا لتقرير حديث، نجحت في إطلاق أغنية جديدة كلّ شهر منذ بداية مسيرتها الفنية، وهو ما لم ينجح أي مُغنٍّ آخر في فعله. وتابعت سريت نجاحها إذ شاركت كمدرّبة في برنامج الواقع الناجح “The Voice”. وحطّمت مشاركة سريت كمرشدة في برنامج واقع ذي نسب مشاهدة مرتفعة الاعتقادَ أنّ ذوي الأصول الشرقية في إسرائيل يصعب عليهم أن ينجحوا مثل ذوي الأصول الغربيّة.
شاهدوا سريت حدّاد مع فريقها في مسابقة THE VOICE
ولم يقتصر نجاح سريت وانقلابها في السنوات الأخيرة على قدراتها الموسيقية فحسب، بل امتدّا ليشملا شكلها الخارجيّ أيضًا. فمن فتاة انطوائية لا تعتني بنفسها كثيرًا، بدأت حدّاد بالاهتمام بنفسها، فخفضت وزنها وبدأت بالاعتناء بمظهرها الخارجي. وقالت في مقابلات إعلامية: “بدأ ذلك حين شاهدتُ نفسي في الدي.في.دي (DVD) الخاص بإحدى حفلاتي، وقلتُ لنفسي: “ما هذا؟”. فجأةً، شعرتُ بالحاجة إلى التغيير، ودون تخطيط، نجح ذلك. صباح اليوم التالي، ذهبتُ لأصفّف شعري، وخرجتُ مع تسريحة كاريه. وحتّى آفي (وتعني آفي غويتا) لم يعرفني. فاجأتُه جدًّا. مذّاك، لا أقوم بتغييرات كهذه دونَ استشارته. بدأت بحمية غذائية، خفضتُ وزني 14 كيلوغرامًا. استشرتُ بعض مصممي الأزياء. صُدم الناس، لأنّ ذلك كان مُفاجِئًا حقًّا. حتى السادسة عشرة، كنتُ فتاة نحيلة. ولكن مُذّاك، بدأت الحفلات، وبعد الحفلات تكون قابليتي مفتوحة، فنبسط طاولة ونأكل ممّا هبّ ودبّ: الخبز، السلطات، المشاوي، البطاطا، والكولا، الكثير من الكولا. وهكذا، دون أن أشعر، بدأ وزني يزداد. ليس سهلًا الحفاظ على الرشاقة، فهذه حرب يومية. لكنّ هذا هو نمط حياتي اليوم”.
نجحت سريت أيضًا، بين أمور كثيرة فعلتها، في جذب انتقاد شديد لحفلة واحدة، يبدو أنها لن تنساها ما دامت حيّة. ففي حفل إطلاق الحملة الانتخابية لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وشريكه أفيغدور ليبرمان، عشيّة الانتخابات في إسرائيل (كانون الثاني 2013)، صعدت حدّاد للغناء مع رئيس الحكومة.
ألقى نتنياهو خطابًا طويلًا وحماسيًّا، جعل أفيغدور ليبرمان الجمهور يرفع صوته عاليًا، لكن النجمة الحقيقية لحفل إطلاق حملة الليكود كانت المطربة سريت حداد. حين نزل نتنياهو عن المنصة في نهاية خطابه، حيَّتهُ حدّاد بغنائها لإحدى أغانيها الضاربة “أتا توتح” (أنتَ عظيم). وقف نتنياهو إلى جانبها، مرتبكًا بعض الشيء، فيما كان يتمايل من جانب إلى آخر. بعد دقائق معدودة، انسحب نازلًا عن المنصّة. بقيت سريت تغنّي وحدَها.
لم تتأخر الانتقادات. ففي اليوم التالي، احتجّت الصحف على مناورة العلاقات العامّة الرخيصة، إذ جرى تعظيم شخصية رئيس الحكومة، وتحوّل الأمر إلى عبادة شخصية حقيرة. وجرى أيضًا انتقاد نفقات الحفل، التي غطّاها بالطبع دافعو الضرائب في إسرائيل.
شاهدوا نتنياهو يرقص على وقع أغنية حدّاد “أتا توتح” (أنتَ عظيم):
وماذا تتمنى سريت للمستقبل؟ في مقابَلات إعلاميّة، تّدعي حدّاد أنها حققت أحلامها كافةً تقريبًا، وأنها مهتمة هذه الأيام ببناء علاقة زوجية جدّية. فهي تبحث في هذه الأيام عن زوج، يأتي بولد، لتكون أمَّا. كما تريد إطلاق ألبوم عالمي باللغة العربيّة بإيقاعات شرقيّة.