يبدو أنه لا يمكن كسب رضى كل المواطنين العرب في إسرائيل بخصوص القضية الحساسة المتعلقة بالنشيد الوطني الإسرائيلي. لمعرفة الحيرة بشكل أفضل، نوصي بأن تقرأوا كلمات نشيد “هاتيكفاه” بالعربية:
طالما في القلب تكمن / نفس يهودية تتوق،
وللأمام نحو الشرق / عين تنظر إلى صهيون.
أملنا لم يضع بعد / أمل عمره ألفا سنة،
أن نكون أمّة حرّة في بلادنا / بلاد صهيون وأورشليم القدس.
من جهة، فإن كلمات هذا النشيد كُتِبت قبل قيام دولة إسرائيل وفق متطلبات الشعر، وهي ملائمة للشعب اليهودي بشكل خاص، ويتضح هذا مثلا في المقطع: “طالما في القلب تكمن، نفس يهودية تتوق”. ومن جهة أخرى، كما في كل دول العالم، ترى إسرائيل أن إنشاد النشيد الوطني الإسرائيلي يمثل تضامن مواطني الدولة معها.
لهذا، عندما التحقت مجموعة من الأطباء العرب الإسرائيليين بدورة في كولومبيا وطُلِب منها إنشاد النشيد الوطني الإسرائيلي كما يُطلب من المجموعات الأخرى المشاركة في الدورة، واختار أعضاؤها إنشاد “موطني”، أوضح الصحفيون الإسرائيليون أن هذه التصرفات تشكل تظاهرة غير مسبوقة من عدم الولاء للدولة وناشدوا وزارة الصحة الإسرائيلية بإقصاء منظم البعثة عن العمل مؤقتا.
“لا يمكن أن نطلب من المواطنين العرب إنشاد ‘هاتيكفاه’ لأنه لا يمث بهم بصلة ولا يمثلهم”
أوضح دكتور فخري حسن منظم البعثة في المقابلة معه الوضع المعقّد الذي تعرض له. “مَن كتب النشيد الوطني الإسرائيلي “هاتيكفاه” لم يأخذ بعين الاعتبار المواطنين العرب الإسرائيليين ولم ينوِ أن ينشدوه. لا أعرف أي عربي إسرائيلي يقف وينشد “هاتيكفاه”. اخترنا إنشاد “موطني” وهو نشيد مشهور يتحدث عن حب الوطن والأمل. لهذا ليس في وسع أي شخص أن يدعي أنه يتضمن كلمات عدائية”، وفق أقواله. وأضاف أن هذه البعثة هي بعثة خاصة لم تحظَ بتمويل الدولة. وتابع مجري المقابلة أن نشيد “موطني” لا يتماهى مع الفلسطينيين فحسب، بل مع العراق الذي استخدمه لفترة قصيرة بعد سقوط حكم صدام حسين أيضا.
ولكن دكتور فخري ليس أول من يتعرض لضجة جماهيرية في إسرائيل بسبب النشيد الوطني الإسرائيلي. حتى أن قاضي المحكمة العُليا، سليم جبران، قد تعرض لانتقادات لاذعة بعد أن شُوهد في احتفال يوم استقلال دولة إسرائيل وهو يقف مع كل الجمهور ولكن دون أن ينشد “هاتيكفاه”.
في ذلك الحين، دعمه القاضي اليهودي، إلياكيم روبينشطاين، معلقا على الانتقادات: “لا يمكن أن نطلب من مواطني إسرائيل العرب إنشاد “هاتيكفاه” لأن هذا النشيد لا يمثلهم”. وأضاف: “على المواطنين الإسرائيليين من غير اليهود احترام “هاتيكفاه” والوقوف أثناء إنشاده لأنه هكذا من المعتاد أن يعمل الضباط غير اليهود في الجيش الإسرائيلي، الشرطة، ومصلحة السجون الذين يلقون التحية أثناء هذا النشيد، ولكن لا يمكن أن نطلب من المواطنين العرب إنشاده لأنه لا يمت إليهم بصلة ولا يمثلهم”.
كما ودعم وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، موشيه (بوغي) يعلون، القاضي جبران قائلا: “إن الإصرار على أن ينشد مواطنو الدولة من غير اليهود نشيد “هاتيكفاه” يمثل محط خلاف ونزاعا”.
رغم المشاكل الكامنة في نشيد “هاتيكفاه” الحالي، لم تحظَ الاقتراحات الأخرى بالموافقة. فقد قدمت جهات مختلفة اقتراحات لتعديله، وليس بسبب المشاكل الحالية التي يثيرها النشيد لدى الأقلية العربية الإسرائيلية فحسب. مثلا، يمثل طابع النشيد، وموسيقاه تقاليد الشاعر اليهودي الأوروبي الذي كتبه، ولا يمثلان حضارة يهود الدول العربيّة. كذلك، ادعى آخرون أن نشيد “هاتيكفاه” يمثل اشتياق اليهود لإقامة الدولة قبل قيامها، وأن اليوم بعد قيامها لم يعد هذا النشيد ذا صلة.
لكن الاقتراحات لتبديل النشيد الوطني رُفضت كليا. بات معظم مواطني إسرائيل متضامنا مع “هاتيكفاه” ومن الصعب تغييره. أوضح بروفيسور إسرائيلي مسؤول المعارضة وراء تغيير النشيد، قائلا: “لا تشكل الأناشيد الوطنية العامل المشترك الأدنى بين السكان، بل تضامنا تاريخيا، ويعارض الكثيرون في المجتمعات الديمقراضية التضامن معها”.
سيظل الوضع الراهن ثابتا ويجب احترام نشيد “هاتيكفاه، ولكن لا يُفترض على الجميع إنشاده ويسري هذا الحال حتى يؤلف نشيد وطني يمثل كل سكان إسرائيل.