على الصعيد الفلسطيني الداخلي يبدو ان الانتقادات التي وُجهت لرئيس اتحاد الكرة الفلسطيني جبريل رجوب من قبل الفصائل الفلسطينية ، كانت الجزء الأبسط او “الوجبة الأولى” في هذه العاصفة. فانتقادات حماس والفصائل واضحة فهي قد تكون على خلفية مهنية او من باب المنافسة السياسية الفصائلية.
لكن حرب المواقع وحرب شبكات التواصل الاجتماعي وتراشق التهم بين النشطاء الفلسطينيين الذين يتبعون لبعض المسؤولين الفتحاويين لا زالت مستمرة. فالجميع يتهم الجميع والشارع الفلسطيني يجد نفسه امام معركة سياسية مع إسرائيل تحولت مجددا الى نزاع فلسطيني داخلي.
سنحاول ترتيب الامور بعض الشيء: فلا شك انه على صعيد الفيفا وعلى صعيد الخلافات الفلسطينية الإسرائيلية نجح الرجوب بتسجيل انجاز هام للكرة الفلسطينية. فالطرف الإسرائيلي، وبعد الإحراج الكبير الذي تسببت له بها الحملة الفلسطينية ، لن يستطيع تجاهل الأليات التي وضعتها الفيفا للتسهيل على اللاعبين الفلسطينيين وسيجد نفسه، لو تكررت المضايقات للرياضيين الفلسطينيين، ليس امام الطرف الفلسطيني، وإنما امام الفيفا – الاتحاد الدولي لكرة القدم، الذي اقنع الفلسطينيين بسحب طلبهم بطرد إسرائيل من الاتحاد الدولي بضمان تدخلهم، أي مؤسسات الفيفا، مستقبلاً للجم إسرائيل ومعاقبتها اذا ما تكررت الامور وتكررت المضايقات الإسرائيلية تجاه اللاعبين الفلسطينيين.
لكن هذا النجاح الفلسطيني لا يُلغي حقيقة أن الرجوب رفع سقف توقعات الشارع الفلسطيني من أن عالم الكرة سيجتمع لطرد إسرائيل، كخطوة أولى على طريق اصطفاف العالم ضد إسرائيل سياسياً. الرجوب أرادها معركة سياسية لا قضية خلاف مهني رياضي ورفع سقف توقعات الشارع الفلسطيني، الأمر الذي يفسر خيبة الأمل الكبيرة التي أصيب بها الفلسطينيون بعد سحب الطلب بطرد إسرائيل من الاتحاد الدولي، وذلك رغم الإنجاز الذي ذكرناه أنفاً.
هنا يبدأ النقاش في أروقة ساسة فتح. البعض يعتبر أن الرجوب ضخم القضية ورفعها الى هذا الحجم والمستوى السياسي ليس بهدف لجم إسرائيل ووقف مضايقاتها للرياضيين الفلسطينيين وإنما تتويجاً لعمل بدأه منذ سنوات وتحديداً منذ تواليه رئاسة اتحاد الكرة الفلسطيني، كباب يعود من خلاله الى مركز الحلبة السياسية الفلسطينية كمرشح لخلافة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ابو مازن. الصراع تدهور سريعاً ليصبح صراعاً بين قيادات فتح وخاصة بين أنصار بعض القيادات. فمؤيدو الرجوب اتهموا بعض خصومهم على أنهم يروجوا للقضية من باب إظهار فشل الرجوب “ليخدموا مرشح الاحتلال لخلافة ابو مازن ماجد فرج“، كما جاء على بعض الصفحات الفلسطينية. فقد اتهم أنصار الرجوب بعض المواقع الاخبارية الفلسطينية أنها تفتح صفحاتها لمهاجمته لأسباب سياسية داخلية ولتعزيز مكانة قيادات أخرى ولضرب الرجوب. في مثل هذه الحالات يطغى سريعاً على السطح أسم محمد دحلان حيث اتُهم هو الأخر انه يحاول الاستفادة مما حصل في الفيفا ليُعزز موقعه كأفضل بديل في ظل هذه احتدام الصراعات الداخلية. ولا ندري ما إذا كان الأمر محض صدفة فقد اُعلن هذا الأسبوع أن محمد دحلان منح احد الأندية الغزاوية منحة مالية بعشرات الاف الدنانير.
هنا نشير أن هذه المعركة الإعلامية بين القيادات الفتحاوية تجري بينما الرئيس الفلسطيني محمود عباس كان في طريقه الى العاصمة القطرية الدوحة ليشارك في حفل زفاف حفيده.
القضية الأكبر في ملف الفيفا هي قضية العلاقات الفلسطينية الأردنية. فرغم نفي الرجوب ذلك، ورغم رسائل الشكر التي اُرسلت الى الرجوب من الأميرة هيا (شقيقة الامير علي) ، الى ان الغالبية العظمى من الاردنيين – مسؤولون ومواطنون (رواد مواقع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي) على قناعة من أن السلطة الفلسطينية صوتت لصالح المرشح السويسري سيب بلاتر وليس لصالح الأمير علي بن الحسين شقيق العاهل الأردني ومرشح الدول الاسيوية والعربية. الأردنيون يستندون الى بيان صدر عن الوفد الفلسطيني الذي اشار الى ان فلسطين صوتت لصالح بلاتر. وقد تحولت هدية تلقها الرجوب من مندوب السعودية في الفيفا الى سلاح إعلامي في وجه الرجوب حيث نشرت وسائل إعلام أردنية أن السيف هو عبارة عن هدية أهداها الرجوب الى بلاتر.
الرجوب أكد انه صوت لصالح الأمير علي والأمير وشقيقته أرسلا له رسالة شكر لكن الإعلام الأردني يعصف غضباً ضد الرجوب والسلطة الفلسطينية. وقد قام صحفي أردني بارز سعد السيلاوي بالاتصال مباشرة بالرئيس الفلسطيني محمود عباس لاستيضاح الأمر. ويقول السيلاوي ان الرئيس الفلسطيني وعده باتخاذ خطوات عقابية بحق الرجوب فور عودته الى الضفة الغربية. وقد أشار السيلاوي الى أن تصويت الرجوب ضد الأمير علي – رغم نفي الرجوب ذلك – كاد يلحق ضرار بالعلاقات الفلسطينية الأردنية وأنه خيب أمال الاردنيين. الردود على هذا الخبر جاءت كلها منددة بالرجوب وبتصويته لصالح بلاتر على حساب الأمير علي. ولا زال الإعلام الأردني يشن هجومه على الرجوب على خلفية نتائج انتخابات الفيفا بينما لا يكتفي البعض بمهاجمة الرجوب بل يهاجم السلطة الفلسطينية والبعض يهاجم الفلسطينيين ويصفهم بانهم “ناكرو الجميل”. فقد رجح الكثير من الكتاب أن تؤثر هذه القضية سلباً على علاقات الأردن بالسلطة الفلسطينية.
هنا نذكر ان الأمير علي وشقيقته الأميرة هيا هم ابناء الملكة علياء وهي الزوجة الفلسطينية للعاهل الأردني الراحل الملك حسين.