بعد أسبوعين فقط من تصالح دول الخليج مع قطر، جاء دور مصر لتعلن عن المصالحة. نُشر البيان المتوازي، القطري والمصري، يوم السبت (20.12) بعد أن التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مبعوث خاص من الحاكم القطري تميم بن حمد آل خليفة بحضور المندوب السعودي. يوضح البيان أن كلتا الدولتين تنويا قلب صفحة جديدة في علاقتهما. لقد أكدت قطر في بيانها أنها تدأب على المحافظة على مركز مصر كقائدة للعالم العربي الإسلامي وأن “أمن مصر هو أمن قطر”.
لقد أنهى البيان سلسلة طويلة من المشادات السياسية والكلامية بين كلتا الدولتين، التي بدأت مع عزل واعتقال الرئيس محمد مرسي في تموز 2013. لقد تم نسج هذه المصالحة بحرص وتصميم من السعودية، التي بدأت الحملة السياسية ضد قطر منذ آذار الماضي، عندما أقنعت البحرين ودول الإمارات المتحدة سحب سفرائها من الدوحة. بعد وقت قصير سحبت مصر سفيرها وأوعزت لوسائل الإعلام الحكومية بالقيام بحملة انتقادية شديدة اللهجة ضد قطر.
كان العنوان المعلن للخلاف هو ادعاء دول الخليج ضد تدخل قطر في شؤونها الداخلية، وكذلك في شؤون مصر. لكن الأسباب الثلاثة الرئيسة كانت دعم قطر لحركة الإخوان المسلمين، التي أعلِن عنها في مصر أنها تنظيم إرهابي، وقبل ذلك في السعودية والإمارات؛ أبدت دعمها للتنظيمات الإسلامية المسلحة المقاتلة في سوريا (تلك التي لا تتعاون مع السعودية) والعلاقات المتينة بين قطر وإيران، خصم السعودية اللدود. لقد رافقت العلاقات المتعكرة بين قطر ومصر تغطية مكثفة من شبكة الجزيرة التي تمتلكها العائلة الحاكمة في قطر، التي نصّبت نفسها متحدثة باسم نضال الإخوان المسلمين ضد الحكومة المصرية.
طلبت قطر التي أودعت مليارات الدولارات في المصارف المصرية في سنة حكم مرسي كي تساعد مصر على آخذ القروض من المؤسسات الدولية، من مصر إعادة هذه الودائع بمبلغ قدره ستة مليارات دولار.
استعانت مصر كي تعيد هذه المبالغ بهبات وقروض من السعودية ودول الإمارات، وبهذا أصبحت متعلقة تعلقا اقتصاديا تاما تقريبا بهاتين الدولتين. سرعان ما تحول التعلق الاقتصادي إلى “تنسيق” سياسي، تنسيق يلزم مصر بتبني سياسيات السعودية الشرق أوسطية، سواء في المجال العربي أو المجال الدولي. وهكذا كونت السعودية بيديها كتلة عربية صلبة لم يُشوش تكاملها إلا قطر. مع انتهاء عملية المصالحة يمكن للسعودية الآن أن تُملي سياساتِها سواء تجاه الإخوان المسلمين والتنظيمات المتمردة في سوريا أو تجاه إيران ومبعوثيها في الإقليم مثل حزب الله.
مصر، التي قد تكون المستفيدة الكبرى من المصالحة يمكنها أن تتوخى عدم إعانة قطر للإخوان المسلمين، على الأقل رسميا، وأن تغيّر شبكة الجزيرة أيضا وهي الشبكة الأكثر مشاهدة في الشرق الأوسط، من أسلوب تغطيتها الذي جعل الرئيس السيسي يوما إثرَ يوم يغلي غضبا. يمكن أن تجدد قطر المعونات الاقتصادية لمصر وأن تنضم للسعودية والإمارات في استثمارها لبناء البنى التحتية. في الوقت ذاته، يخشى أن تدخل حماس في ضائقة جديدة، إذ تضطر قطر أن تنسق مع مصر كل مساعدة أو مشروع تريد أن تقوم به تجاه غزة وبهذا ستقوي تحكم السيسي بوتيرة الترميم والتطوير في القطاع. لهذا التعلق تبعات على السلطة الفلسطينية، إذ من غير معونات قطر، أو المعونات المشروطة بالموافقة المصرية، ستُحَجّم استقلالية حماس في القطاع. بهذا يمكن للسعودية بواسطة مصر، أن تملي إلى حد بعيد القرارات الفلسطينية.
يمكن للمصالحة بين قطر ومصر أن تؤثر على مركز تركيا وسياستها، والتي بقيت الآن معزولة وحدها في موقفها ضد مصر. لا سيما على ضوء محاولات إيران تجديدَ علاقاتها مع مصر واعترافها بحكومة السيسي. حتى الآن تشترك قطر وتركيا في مقاطعة مصر، ومن الآن ستضطر تركيا لإعادة حساب خطواتها. لا يُتوقع من إيران التي تقيم علاقات تجارية وتعاون وثيق مع قطر، أن تتأثر من المصالحة، رغم أن معناها تقوية الموقف العربي ضدها مع اقتراب توقيع الاتفاق النووي الذي سيُحدث تغييرا جوهريا في موقفها الاستراتيجي أمام الغرب، وبالذات أمام الولايات الأمريكية المتحدة. إذًا، يبدو بحسب ما مرّ أن المصالحة قد أكملت الآن الهرم السياسي في الشرق الأوسط، الذي تقف على رأسه السعودية وحولها كتلة من الدول المتوافقة معها، لا أقولُ المطيعة، التي تستخدم بديلا غير رسمي لجامعة الدول العربية. يمكن لتحالف كهذا أن يخدم الصراع ضد الجهات المتمردة أفضل، وخاصة الحرب ضد “الدولة الإسلاميّة”.
نشر هذا المقال لأول مرة على صحيفة هآرتس