من يقارن في الأيام الأخيرة بين تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزرائه وبين تقديرات رؤساء الأذرع الأمنية، قد يستخلص بأن كل جهة من هاتين الجهتين تعمل وفق واقع بديل خاص بها، وأنه لا علاقة لها بذلك الواقع الذي تنشط فيه المجموعة الثانية.
بينما يصف نتنياهو ووزرائه رئيس السلطة الفلسطينية، محمد عباس (أبو مازن) بأنه المسؤول الأول عن اندلاع موجة الإرهاب في القدس، لا يزال المسؤولون في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية يرون أن رئيس السلطة الفلسطينية هو الأمل لمنع امتداد المواجهات إلى كافة الأراضي المحتلة.
عمل عضو المجلس الوزاري المصغّر للشؤون السياسية والأمنية؛ الوزير نفتالي بينيت، أكثر مما يُتوقع منه حين وصف عباس، الأسبوع الماضي – بأنه هو المسؤول عن المذبحة التي وقعت في الكنيس في القدس – كواحد من أكبر الإرهابيين الذين أنجبهم الشعب الفلسطيني. دعا بينيت، في تصريح له نهاية الأسبوع للقناة الثانية، بترك الحديث عن الاحتلال والبدء بمواجهة الإرهاب، في القدس والأراضي المحتلة. تصريحات بينيت ضد رئيس السلطة الفلسطينية، مثلها مثل تصريحاتٍ أطلقها وزراء آخرون ولم تكن بعيدة عن تصريحاته، جاءت بخلاف صريح لرأي رئيس الشاباك، يورام كوهين، بأن عباس لا يُشجع الإرهاب، لا علنا ولا خفية.
حاول وزير الدفاع، موشيه (بوغي) يعلون، أن يُجسّر هذه الهوة عندما ادعى أن تصريحات كوهين في لجنة الخارجية التابعة للكنيست تم تسريبها بشكل مغلوط لوسائل الإعلام لأغراض سياسية. كما وأضاف يعلون قائلاً إن “أبو مازن خائف من إمكانية اندلاع أعمال إرهابية في الضفة الغربية لأنه يُدرك بأن ذلك سيؤدي إلى إسقاطه. من جهة أُخرى، لا يمكن تجاهل تحريضاته فيما يتعلق بالأقصى والقدس. ليس هناك تناقض بين تلك الأمور: من جهة فإن عباس لا يُفعّل الإرهاب. بالمقابل، هو يُحرض على العنف في القدس”.
رؤساء الأجهزة الأمنية أقل نقدًا تجاه عباس. يسود في هذه الأيام وبشكل استثنائي إجماع كبير بينهم: توصية ضد فرض عقوبات جماعية في شرقي القدس والضفة الغربية، مُعارضة إدخال جنود الجيش الإسرائيلي إلى الأحياء العربية في القدس (الخطوة التي يدعو إليها بينيت بقوة) وإلى جانب ذلك التوافق على العنصر الديني في الصراع – النقاش حول الأقصى، إنما أيضًا إلهام الأعمال المروعة التي ترتكبها الدولة الإسلامية (داعش) – يزداد، غير أن ذلك لا يُبعد من الصورة الغضب الفلسطيني على استمرار الاحتلال.
يرى مسؤولو المخابرات الإسرائيلية أن عباس هو عامل رادع، وليس مُحرضًا، بكل ما يتعلق بالعنف. تساهم أجهزته الأمنية بشكل فعّال بتهدئة الأرواح في الضفة الغربية.
ربما أطلق عباس شجبًا واهنًا ضد جريمة قتل المصلين في القدس ولكن يبدو أنه لا يجب تجاهل أن تلك الأمور قيلت في اليوم الذي أعلن فيه البرلمان الأردني – دولة تجمعها معاهدة سلام مع إسرائيل منذ 20 عامًا وتتلقى منها الدعم الواسع في عدة مجالات، أكثر من أي وقت مضى – عن الوقوف دقيقة صمت على روح القتلى، وليس القتلة في عملية القدس.
يتعلق الحفاظ على الهدوء في الضفة باستمرار عمل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، بالوضع الاقتصادي لتلك الأجهزة وبقدرة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على منع تجدد عمليات الإرهاب المنظم إضافة إلى موجة العمليات الإرهابية المسماة “الذئاب المنفردة”. يمر الجناح العسكري لحركة حماس في الوقت الراهن في حالة سيئة للغاية ولا يزال يتعرض أفراده للاعتقال من قبل إسرائيل والسلطة الفلسطينية. ولا يزال ممكنًا اندلاع انتفاضة عامة على خلفية دينية في جبل الهيكل، أو نتيجة تدهور تدريجي على المستوى السياسي. لا يزال عباس متمسكًا حاليًا برأيه بالتوجه إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بهدف المطالبة بمنح فلسطين صفة دولة عضو في المجلس. من المفترض أن تناقش الجامعة العربية هذه المسألة ومن ثم يُتوقع أن تتوجه الأردن رسميًا، بإيعاز من الفلسطينيين، بهذا الطلب.
قد تترتب على مثل هذه الإجراءات، وكذلك في حال وقعت عمليات إرهابية أُخرى، تبعات اقتصادية خطيرة: وقف نقل الإرجاعات الضريبية من إسرائيل (الأمر الذي يعني – عدم دفع رواتب موظفي الدولة في السلطة) أو تقليص كبير بعدد الموظفين الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات. نظرًا لهذه الأسباب مُجتمعة، يتحدث مسؤولو الأجهزة الأمنية – في أفضل الحالات – عن محاولة توفير فسحة للمنظومة السياسية قبل أن تندلع مواجهات أُخرى، في وقت ما من العام القادم. يختلف هذا الرأي، من ناحية الفحوى، عن وابل التصريحات الوطنية التي تُطلق من القدس، والتي تبدو أنها موجهة أكثر إلى جمهور اليمين قُبَيل الانتخابات المُزمعة، أكثر مما هي موجهة للشركاء الفلسطينيين.
نُشرت هذه المقالة لأول مرة في موقع صحيفة هآرتس