في الأسبوع الماضي، عرضنا عليكم نظرة إلى تاريخ الاحتجاجات في الموسيقى الإسرائيلية. وإنْ كنا في المرة الماضية قد ركّزنا على الظلم الاجتماعي على الخلفية الاقتصادية والجنسية والطبقية، فإننا في هذه المرة سنعرض عليكم تاريخ أغنيات الاحتجاج السياسية في إسرائيل. توفر بنية المجتمع الإسرائيلي – بما فيها ممثلي الأديان والأحزاب الكثيرة – جنبًا إلى جنب مع تعقيد الصراع العربي الإسرائيلي – الكثير (جدًا) من الموضوعات للأغاني الحادة، اللاذعة والمؤلمة.
في السنوات الأولى لإسرائيل، كانت أغاني الاحتجاجات لا تزال تشق طريقها إلى آذان المستمعين. فبعد حرب حزيران (1967)، وعلى خلفية الشعور بالانتعاش بين بعض قطاعات الشعب، بدأنا نسمع أصواتا أولى من الاحتجاج ضد أمر كان مقدسًا في تلك الأيام: جيش الدفاع الإسرائيلي. اشترك مئير أريئيل، الذي تحوّل خلال السنين إلى مؤلف أغان ومغنّ ذي مكانة، في الحرب بوظيفة جندي احتياطي في كتيبة المظليين. تركت المعارك في نفسه مشاعر قوية وصادمة، وبعد فترة وجيزة من الحرب، أصدر للإذاعة أغنية “القدس الحديدية”، والتي استندت على أغنية نعومي شيمر “القدس الذهبية” . ولكن بخلاف شيمر، غنى أريئيل عن “القدس الحديدية، وقدس الرصاص والسواد”؛ وذلك رمز لدخان المعارك والرصاصات التي أطلقت باستمرار. وعلى ضوء دوره في الجيش، حظي على المستوى الإعلامي بلقب “المظلي المُغرّد”.
استمعوا لمئير أريئيل ورسالته ضد الحروب في “القدس الحديدية”:
ومع ذلك، لم يلق احتجاج أريئيل صدى كثيرا في تلك الأيام، وعادت أغنية الاحتجاج للدُّرج مرة أخرى، حيث تم إهمالها حتى سنوات الثمانينيات. وقد أدى الوضع في إسرائيل – اتفاقية السلام مع مصر إلى جانب الحرب اللبنانية، التضخم الاقتصادي الرهيب والانتفاضة الأولى – أدى كل ذلك إلى ازدهار هذا اللون من الغناء، والذي ظهر بقيادة المطربين الشباب والفرق الغنائية الجديدة. بدأ إيهود بناي في الظهور في أواسط سنوات الثمانينيات وقد مثل أغاني الروك الخاصة به احتجاجا متطورا وصعبا منذ البداية. لقد غنى عن العمال العرب الذين جاءوا للعمل من غزة إلى إسرائيل، عن الحواجز التي أجبروا على اجتيازها كل يوم وعن نفاق الجمهور الإسرائيلي؛ فهو من جانب لا يعطي الحقوق الكاملة للفلسطينيين الذين يعيشون خارج حدود 1967، ومن الجانب الآخر يعتمد عليهم للاستمرار في بناء البلاد.
استمعوا إلى أغنية “اخلط الجبس” ولنقد إيهود بناي الواضح والفاضح:
في أواخر الثمانينات، تزايد الوعي السياسي في إسرائيل، وقد أثر ذلك على الأعمال الموسيقية. بدأ مؤلفو الأغاني بتركيز النقد الشديد على النخب الحاكمة الفاسدة، والحديث عن أوضاع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، والبحث عن بدائل لواقع تعيس من الحواجز والأسوار. ولكن قبل التفاؤل، الذي سوف نتطرق إليه لاحقًا، اختارت الفرق الغنائية المشهورة الشكوى حول ما هو قائم. فرقتا “مشينا” و”تسلم” غنّتا “ما لي وللسياسة الآن؟” وعن “وجه الدولة”، وقد ردد كلماتهما آلاف المشجعين في الحفلات. “لماذا لا ينحرف الحجر في رام الله عن مساره”، هكذا غنى يوفال بناي، مطرب فرقة “مشينا”، وقد أشار إلى الركود في تطوير البنية التحتية والحياة عمومًا بالنسبة للفلسطينيين.
“ما لي وللسياسة الآن؟” – سؤال كبير ومهم
في سنوات التسعينات والألفية الثانية، وعلى خلفية محادثات السلام مع الفلسطينيين، واتفاقات أوسلو ومحاولات الوصول إلى تسوية إقليمية شاملة، سمح الفنانون لأنفسهم بأن يكونوا أكثر حدة في النقد. من جهة، كانت هناك فرقتا “هداج ناحاش” و”هبيلوييم” ومطربون مثل موكي، احتجوا على الظلم تجاه الفلسطينيين وطلبوا إنشاء مجتمع آخر في إسرائيل، متقبّل للآخر. “يتحدث الجميع عن السلام، لكن لا يتحدث أحد عن العدالة”، هكذا كتب وغنى موكي، مشيرًا إلى أن محادثات السلام لن تغيّر شيئًا إن لم تتركز على الاعتراف بحقوق العرب، كسائر البشر. وفي أغنية أخرى: “الأرض تبكي”، يتحدث كاتب الأغنية عن العالم الذي يتواجد خلف الجدار والحواجز: “لا، إنه ليس خطأ يا أخي، إنه الواقع؛ عالم كامل مليء بالغضب والوحدة”.
“كم منا ينصت حقّا؟” هكذا يتساءل موكي مستدرِكًا: “الجميع يتحدث عن السلام”:
وفي الجانب الآخر من الطيف السياسي، كان هناك احتجاج صارخ أيضًا، وذلك على خلفية إخلاء قطاع غزة من وحدات الجيش والسكان اليهود في عام 2005. وقد غنى أريئيل زيلبر، أحد أكبر الموسيقيين في إسرائيل، أغنية “اليهودي لا يطرد يهوديًا” وذلك حين واجه قوة الإخلاء، وجددت فرقة “السجن 6” أغنية لماني بيجر “كان ذلك بيتي”، وذلك انطلاقا من الحزن على آلاف البيوت التي تُركت مهجورة بعد أن تم إخلاء السكان منها، جاء فيها: “مع الفجر سيسكن الغرباء في المنزل، ونحن سنذهب بعيدًا، مع كل الذكريات”
استمعوا إلى الإصدار الأصلي والمؤثر لماني بيجر في أغنية “كان ذلك بيتي”:
وفي النهاية، ننهي مرة أخرى مع تامر نفار، مغني الراب العربي الإسرائيلي الذي يغني عن المشاكل الداخلية في الوسط العربي، ولكن يبدو أنه حين يغني بالعربية، فإن الكلمات تخترق الجلد وتدخل إلى الشرايين. ففي أغنية فرقة DAM (دام) “هنا ولدت”، يشرح ببساطة أنه موجود هنا وسيبقى، وأن التعامل معه ينبغي أن يكون شبيها بأي مواطن إسرائيلي يهودي. وعلى الرغم من ذلك، فإنه ليس مواطنًا في الضفة الغربية أو غزة، والمشاكل التي يواجهها مختلفة، ولكن الاحتجاج يعود إلى السبب ذاته؛ وهو المطالبة بالمساواة وتمكين التعبير عن الرأي الشخصي، حتى وإن كان يخالف الرأي العام.
تامر نفار يكسر المسلّمات، يغني ويحتج بالعبرية كذلك: