إن تداول المواضيع المتعلقة بالمجموعة المثلية في المجتمَع العربي التقليدي والمجتمعات التي تتظاهر بأنها ديمقراطية ومتنورة أكثر، ما زال محرمًا. وكذلك فإن الحديث عن المواضيع الجنسية هو موضوع مؤلم، سري، وخفي عن عين القارئ العربي المتوسط.
أقول هذه الأمور في نهاية أسبوع كشفت فيه حالات أخرى من التدخل في الحياة الخاصة لاثنين من أعضاء مجموعة مصرية صورا مقطع فيديو من مقطع زواجهما في القاهرة. انتهى الحدث طبعًا بإرسالهما لقضاء عقاب بالسجن لمدة ثلاث سنوات بحجة أنهما قد أخلا “بالنظام الاجتماعي” القائم وكان في عملهما خلاعة محظورة.
نعم- هناك تغييرات للأحسن: تحولت بيروت منذ فترة لمدينة “المثليين- السحاقيات” غير الرسمية، الأولى من بين الدول العربيّة. تجري عروض مسيرية كل أسبوع في مسارح بيروت. حامد سينو هو مثلي معلن، عازف منفرد من فرقة “مشروع ليلي”، تحول إلى نجم مشهور ولقدوة للشباب والشابات الكثر، الذين يخشون من الإعلان عن جنسيتهم، في أرجاء الشرق الأوسط.
تقيم حفلات سرية ومقاه كثيرة أمسيات ترفيه وحفلات لأفراد المجموعة في العاصمة الأردنية، عمّان، مقهى Book@cafe هو مؤسّسة معروفة للغاية لأفراد المجموعة من سنة 1997. كذلك ترى المجلّة المعروفة My Kali النور في المملكة الهاشمية وتنشر على الإنترنت قضايا كثيرة تتعلق بالحياة الجنسية الصحية، تحذيرًا من آفة الزنا والقصد طبعا لأفراد المجموعة المحتاجين للمساعدة.
أثار الحفيد المتهتك للنجم المصري عُمر الشريف، ضجة غير قليلة مع خروجه من الخزانة والإعلان عن نفسه أنه يعمل من أجل حقوق أكثر مساواة للمجموعة المثلية في مصر.
كل هذه بارقات أمل في بحر مظلم من التقاليد الجامدة التي لا تعي أن الأمر علة في المجتمع ستجلب له الدمار في يوم من الأيام.
المثلية الجنسية والقانون في الدول العربيّة
في المملكة العربية السعودية، مثلا- المثلية ممنوعة حسب القانون ويمكن أن يكون العقاب عليها السَّجن، الجلد، تخصية كيماوية وبل الحكم بالإعدام- أوقِف مؤخرًا 35 شابا في حفلة بمدينة جدة (نيسان 2014). هم ينتظرون الآن في الزنزانة للمحاكمة، والتي وإن انتهت بلا إدانة، ما زالت تعرضهم للابتزاز والتهديدات في بقية حياتهم من “الشرطة الدينية” في السعودية.
مثال آخر: في المغرب، في كل يوم تقريبًا يدان أربعة أشخاص في محاكمة على انحرافهم الجنسي، وعقابهم يصل إلى حد السجن ثلاث سنوات وغرامة مالية. وهذا يتاح بواسطة البند 489 في القانون، الذي يعتبر الجنسية المثلية خرقًا للقانون.
وحتى فيشششش مصر- ليس هناك من قانون مفصل يمنع المثلية الجنسية- حياة مثليي الجنس غير سهلة. ومن الأمثلة على ذلك الشبان الثمانية الذين صوروا مقطع الفيديو عن زواج الاثنين وسجنوا لمدة ثلاث سنوات. في شهر أيار أوقِف 52 رجلا اشتركوا في حفلة مثليين على إحدى السفن في نهر النيل. لقد استمرت محاكمتهم مدة طويلة، ونُشرت أسماؤهم بل وعناوينهم ووصفوا بأنهم “وكلاء ضد الحكم”. أدين أغلبهم بالسجن، وكثير منهم مع الأشغال الشاقة. أدين أغلبهم “بفعل فاضح ومتهتك” بل وقسم منهم “بازدراء الدين”. كذلك أدين مؤخرًا في مصر أربعة مصريين بالسجن لفترات تتراوح ما بين ثلاث إلى ثماني سنوات، مرة أخرى بسبب “الفعل المتهتك”.
ما زال الرأي الشائع في المجتمَع العربي عن المثلية الجنسية سلبيًّا في أساسه، وهو يُفهم على أنه إن لم يكن جريمة فهو مرض نفسي. يعرف الكثير من الناس حقًا عن غير قليل من المشهورين المصريين بأنهم مثليو الجنس أو سحاقيون، ومع ذلك لا يجرؤ أولئك على الإعلان على الملأ والعيش خارج الخزانة.
بيروت تقود الشرق الأوسط لتقبل أفرادها المثليين والسحاقيات
في لبنان، وهذا ما يبدو، بدأ التغيير الأبرز. هناك، لم يلغ القاضي ناجي الدحداح البند 534 في القانون فحسب، والذي يعتبر إقامة علاقات جنسيّة مثلية خرقا للقانون، بل وجعل هذا الحدث نشطاء مثليين، سحاقيات وعاديين يخرجون للشوارع تعبيرًا عن تأييدهم للقرار وطلب المساواة للمجموعات الجنسية المختلفة.
فضلا عن ذلك، خلافًا عن دول عربية كثيرة، يمكن في لبنان إيجاد مجموعة جنسية مثلية منظمة، يعيش كثير من أفرادها خارج الخزانة؛ عدة برامج مخصصة لموضوع الهوية والميول الجنسية، ومشتركين ومشتركات يتحدثون عنها حديثا صريحًا ومفتوحًا؛ والحالة الأكثر شهرة هي حالة حامد سينو- العازف المنفرد لفرقة “مشروع ليلي” الناجحة، الذي خرج من الخزانة على الملأ بل وغنى أغاني حب للرجل.
لا شك أن حياة المثليين والسحاقيات في هذه المدينة ما زالت في مرحلة الخروج من الخزانة، إلا أنه يبدو أنهم في تصاعد دائم، من نهاية الحرب الأهلية في 1990، وبالتحديد منذ حرب لبنان الثانية. افتُتحت حانات، وترعى الأعرق من بينها إقامة حفلات. لقد حازت عدة نواد وبرك في الفنادق سمعة بأنها مواقع يحب المثليون قضاء الوقت فيها. سوقت مواقع إنترنت مثل Manjam.com الذي يعتبر بأنه شبكة اجتماعيّة للمثليين، بهدف التعارف، العمل والسفر. بل ويتيح الموقع وصولا باللغة العبريّة إلى جانب النسخة العربية والإنجليزية، ويبدو أن هناك مثليين وسحاقيات من الدول العربية يأتون لقضاء وقتهم هناك- وهو اختيار مؤثر لبعضهم، بالذات لأنهم يعيشون في بيروت في الهامش.
وما زال مظلمًا وصعبًا للغاية
ولتحطيم الوهم مرة أخرى أن الأمور تجري نحو الاتجاه الصحيح إلى الحرية الشخصية، استيعاب الآخر وتقبله وخاصة إن كان مختلفًا بميوله الجنسية، تنتشر أخبار كثيرة عن التنكيل بأفراد المجموعة المثلية بل وفي بعض المدن بالمطاردة. في المملكة العربية السعودية هذه الظاهرة غير مقبولة بالمرة، لا حديث عن الموضوع في النطاق العام قطعًا وبتاتا. عدا عن القاهرة والإسكندريّة، وبعض البرامج التلفزيونية التي تعرض الموضوع في كل حالة كشذوذ جنسي، لا يُطرح الموضوع أبدا في باقي أجزاء الدولة، والتي في أغلبها أيضًا أكثر محافظة وأقل تسامحًا.
في العالم العربي الربط الأول هو ربط ديني. يُمنع منعًا باتًا في الإسلام إقامة علاقات جنسيّة بين الرجال، وكذلك في اليهودية والنصرانية. من يقوم بالفعل المثلي يُعاقب بالإهلاك، الملاحقة وعقابه قاس. من هنا تُستمد المفاهيم الاجتماعية والمنع عن الحوار “التحرري الغربي المفسد”.
كذلك في المجتمَع الفلسطيني الذي يُعد أكثر انفتاحًا، هناك صعوبة كبيرة في تقبل الحوار الاجتماعي عن الجنسية والمثلية. طلب الكثير من المثليين الفلسطينيين اللجوء السياسي لإسرائيل بعد أن لاحقهم أقرباء من عائلاتهم أو أجبرتهم التنظيمات الإرهابية على تنفيذ عمليات إرهابية كي تطهرهم من إثم “مضاجعة الذكور”.
يمر المجتمع العربي الإسرائيلي بتغييرات بارزة في تقبل المجموعة والحوار المثلي السحاقي. حيفا هي إحدى المدن الكبيرة في إسرائيل والتي تقيم كل سنة مسيرات افتخار بها يشترك اشتراكا فعالا أزواج مثليو الجنس عرب. تُقام في المدينة عدة مقاه وحفلات لأفراد المجموعة.
وأمر ينبغي التأكيد عليه أن في إسرائيل يدور صراع اجتماعيّ لتقبل المثليين والسحاقيين. تل أبيب هي حقًا مدينة تستضيف كل سنة مهرجان الافتخار الطويل والمستثمر فيه، الذي يصل إليه عشرات آلاف السّياح كي يحتفلوا بالحرية، لكن المجتمَع الإسرائيلي وهو محافِظ جدًا ما زال صعبًا فيه تقديم قوانين المساواة الكاملة لأفراد المجموعة وغير قليل من المرات نسمع عن تصريحات مشوهة أو مستنكرة للمجموعة من نواب الكنيست من صناع الرأي العام المعروفين.
ما زالت الطريق للمساواة والاعتراف “بطبيعة” مثليي الجنس طويلة وتتطلب تجند كل النشطاء من أجلها في العالم العربي. في هذه المرحلة ينقصها أفراد معروفون من العامة، شخصيات عامة وترفيهية يتحملون مسؤوليتهم ويعطوا مثالا وقدوة لآلاف الفتيان، والشباب بل والبالغين “المخطئين”.
الكاتب هو مثليّ عربي معلن