نشبت حرب لبنان الثانية حسب التسمية الإسرائيلية، أو حرب تموز كما تدعى في لبنان، بين إسرائيل ومنظمة حزب الله في جنوب لبنان، في تاريخ 12 يوليو (تموز) 2006، وكان سببها المباشر اعتداء حزب الله على مركبة للجيش الإسرائيلي وخطف جنود إسرائيليين. ومن أسباب الحرب غير المباشرة، رغبة إسرائيل في تدمير ترسانة حزب الله التي تراكمت في جنوب لبنان، خاصة منذ انسحاب إسرائيل عام 2000، والتي أصحبت تهدد إسرائيل ومواطنيها على نحو خطير، وكذلك تمرير رسالة إلى راعية حزب الله وممولته، إيران، مفادها أن إسرائيل لن تقبل بمخطط إيراني على حدودها الشمالية.
وسارعت منظمة حزب الله في أعقاب الحرب إلى رسم صورة بأنها المُنتصرة في الحرب، من خلال دعاية قوية متمثلة بخطابات أمينها العام، حسن نصر الله، الذي عظّم صمود الحزب رغم الدمار الذي لحق الدولة اللبنانية، والضربة القوية التي لحقت البنية التحتية للمنظمة. وبات حسن نصر الله يبث خطاباته المضلّلة، مختبأ في أماكن سرّيّة تحت الأرض، متوعدا بجولة ثانية من الصواريخ التي ستصل إلى ما بعد حيفا، إلا أن أولويات الحزب تغيّرت، وهو يرسل اليوم آلاف المقالتين إلى سوريا.
حزب الله- يد إيران الطويلة
أقيمت منظمة “حزب الله” في عام 1982 على يد الحرس الثوري الإيراني، كمنظمة منافسة لمنظمة “أمل” في لبنان. ويقوم الحزب، الممول على يد إيران وسوريا، بدورين أساسيين في لبنان، الأول كمنظمة سياسية تشارك في السياسة اللبنانية، والثاني كمنظمة إرهابية تملك قدرات حربية تفوق قدرة دولة لبنان.
وأصبح حزب الله، بعد انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي في نهاية حرب لبنان الأولى عام 1985، أكثر المنظمات المسلّحة نفوذا في جنوب لبنان، ولا سيما وسط الطائفة الشيعية. وفي عام 1992 دخل حزب الله إلى السياسة، وتم انتخاب نوابه للبرلمان اللبناني. وتسعى المنظمة من خلال عملها السياسي إلى وضع يدها على مؤسسات الدولة، وفي حالات كثيرة تلجأ إلى إرهاب الدولة اللبنانية من أجل هذه الغاية. وأبرز هذه الحالات كانت اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005، علما أن جهات قانونية دولية تؤكد تورط حزب الله في الاغتيال.
أما الإرهاب خارج لبنان فيترتب على إطلاق الصواريخ نحو مناطق مسكونة في إسرائيل، وتنفيد عمليات ضد مواقع مرتبطة بإسرائيل واليهود في العالم. ومن هذه العمليات برزت العملية في مركز الجالية اليهودية في ” بوينس آيرس” عام 1944، وأحدث هذه العمليات تورّط عناصر من الحزب في تفجير حافلة لسياح إسرائيليين في بلغاريا، في مدينة “بورغاس”.
وأنشأ الحزب، بعد انسحاب إسرائيل عام 2000، بمساعدة إيران بنية حربية واسعة في لبنان. وتشمل ترسانة حزب الله منظومة صواريخ وقذائف يمكنها ضرب العمق الإسرائيلي. وأظهرت المنظمة الشيعية خلال مواجهتها الأخيرة مع إسرائيل عام 2006 أنها لا تتردد في قصف أهداف مدنيّة في إسرائيل. وخلقت المواجهة الأخيرة بين الطرفين، والتي استمرت 33 يوما، معادلة ردع جديدة، يحافظ بموجبها حزب الله على الهدوء.
وسعت إيران منذ نهاية الحرب إلى تعزيز قدرات حزب الله العسكرية، لا سيما تلك الصاروخية. وتضاعف عدد الصواريخ التي يملكها الحزب ثلاث مرات قدرته الصاروخية أيام حرب 2006. وحسب تقديرات في إسرائيل، تعتمد على مصادر أمنية، فإن حزب الله يملك نحو 60.000 صاروخ، بينها قذائف متوسطة الأمد يمكنها أن تصل إلى العمق الإسرائيلي. وجهّزت إيران الحزب لمواجهة ثانية مع إسرائيل، ونقلت طهران الرسائل إلى نصر الله أنها تتوقع مواجهة قريبة مع إسرائيل.
ونقلت الصحافة اللبنانية عن مصادر مقربة من الحزب، عام 2011، أنه يستعد لحرب شاملة مع إسرائيل. وجاء أن الأوامر التي نُقلت إلى قيادات الحزب هي أنه سيطلق عمليات أرضية ضد إسرائيل، بالإضافة إلى الصواريخ، تحت اسم “احتلال الجليل”، وأرسل الحزب إلى إيران 5000 مقاتل، تلقّوا التدريب من أجل هذه المهمة. ولا يستبعد أن هؤلاء المقاتلين أرسلوا في آخر المطاف إلى سوريا للقتال في القصير.
تسليح حزب الله بعد 2006
اتَبعت المنظمة خلال حرب تموز 2006 خطة منتظمة لإطلاق الصواريخ نحو إسرائيل، قاصفة في البداية المدن القريبة من الحدود اللبنانية مثل “كريات شمونه”، ونهريا وصفد، وبعدها وسّعت المنظمة مسافات قصفها لتصل صواريخها إلى مدينة حيفا و”كرميئيل”. ووفق المعطيات الإسرائيلية، أطلق حزب الله زهاء 4000 قذيفة إلى مناطق مأهولة بالسكان في إسرائيل. ورغم أن حزب الله لم يقصف تل أبيب، إلا أن حسن نصر الله توعد بقصفها قائلا إن الحزب سينتقل إلى “مرحلة ما بعد حيفا”.
ورغم أن الحرب غيّرت من ميزان الرعب بين إسرائيل والحزب، وجلبت الهدوء إلى حدود إسرائيل الشمالية، إلا أن إيران وحزب الله لم تكفا عن التسّلح. وكشفت أجهزة استخبارات غربية وإسرائيلية، عن نقل صواريخ من إيران إلى حزب الله عبر سوريا مرة بعد مرة. وتحوّلت الحدود اللبنانية – السورية إلى معبر سهل للأسلحة إلى سوريا، رغم وجود الجيش اللبناني على الحدود.
وبنت إيران، سوريا، وحزب الله شبكة لوجستية كبيرة تتيح نقل الأسلحة من إيران إلى حزب الله بسرعة وبصورة منتظمة. وبُنيت هذه الشبكة في أعقاب اغتيال القائد العسكري لحزب الله، عماد مغنية، وهدفها هو حماية عمليات حزب الله السرية، والحفاظ على أمن مقاتليها وقادتها. وأرسلت إيران عبر هذه الشبكة، وفق معلومات من عام 2011، نحو 40.000 قذيفة بأحجام مختلفة.
وكثّفت إيران من إمداد حزب الله بغرض تجديد الترسانة التي فقدها في حرب لبنان الثانية. ويملك الحزب قدرات صاروخية تفوق تلك التي كانت عام 2006، فهو يملك صواريخ من طراز “فاتح 110″، وصواريخ “سكود س”. وسلّح حزب الله جنوده بكافة الأسلحة الخفيفة. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية أن إيران زوّدت الحزب بطائرات من دون طيار، ودرّبت إيران رجال الحزب لاستعمال كافة هذه الأسلحة.
يذكر أن الحرس الثوري الإيراني يبحث عن مسارات أخرى لتهريب السلاح إلى حزب الله، ومثلا على ذلك، أوقف سلاح البحرية الإسرائيلي، عام 2009، سفينة حمل MV Franco، والتي نقلت أسلحة إيرانية مقصدها حزب الله، كانت في طريقها إلى ميناء اللاذقية. وعثرت القوات الإسرائيلية على 500 طن من الأسلحة على متن السفينة. وتحاول إيران أن تلتف على الاستخبارات الغربية والإسرائيلية بواسطة مسار تهريب عبر أفريقيا وأوروبا.
وأنشأت إيران كذلك مشاريع للاتصالات خاصة بحزب الله، مستقلة عن دولة لبنان، ونشرت شبكة ألياف ضوئية في كل لبنان لهذا الغرض. وموّلت ولاية الفقيه هذه المشاريع تحت “صندوق إيران لإعمار لبنان”. ويقوم الحزب بإخفاء معدات القتال في المساجد، والمدارس، والمرافق العامة. ووفق الاستخبارات الإسرائيلية تحوّلت نحو مئة قرية لبنانية لموقع عسكري خاص بحزب الله.
التورط في الحرب الأهلية السورية
لا يُخفى على أحد اليوم أن إيران وحزب الله يأبيان أن يسقط نظام الأسد في لبنان. وقد تحوّل دعمهما المعنوي للأسد إلى دعم مادي، فمن حديث عن أن الأسد ليس بحاجة إلى مساعدة مقاتلي المنظمة، أصبحت تصريحات حسن نصر الله وخطاباته تشدّد على أهمية القتال إلى جانب النظام السوري في القصير، والاستعداد للقتال في حلب وحمص ودمشق.
فسوريا، بالنسبة لإيران، هي موطئ قدم في قلب العالم العربي. وتقوم إيران وحزب الله من أجل الحفاظ على هذا الأصل الاستراتيجي بأمرين، الأول هو دعم نظام الأسد ماديا لإطالة بقائه في الحكم، والثاني هو إقامة جيش شعبي من الطائفة الشيعية في سوريا لليوم ما بعد الأسد. وسيمكّن هذا الجيش إيران وحزب الله من الحفاظ على نفوذهما في سوريا.
إذن إيران وحزب الله لن يسمحا في أي مرحلة أن تستقر سوريا في حال سقط الأسد، ولا يستبعد أن المخطط هو تحويل سوريا إلى لبنان جديدة في مرحلة ما، مقسمة وغير مستقرة، وفيها منظمة شيعية تلبي رغبات إيران بدل الأسد.
ويطمح حزب الله كذلك إلى الحصول على قدرات عسكرية متقدمة من النظام السوري، تتيح له تغيير ميزان الرعب بينه وبين إسرائيل. وضمن هذه القدرات، صواريخ متقدمة مثل صواريخ بر- بحر من نوع “ياخنوت”، وصواريخ في مجال الدفاع الجوي مثل صواريخ SA-17.
وفي هذا السياق، نسبت وسائل إعلام غربية إلى إسرائيل القيام بهجمات جوية في دمشق العام الجاري، استهدفت قافلة صواريخ “فاتح 110″، كانت في طريقها إلى حزب الله من إيران. وتشمل مساعدة حزب الله لسورية إرسال مقاتلين إلى جبهات القتال، ولا سيما في المناطق الشيعية مثل منطقة القصير والسيدة زينب، وتدريب قوات سورية على معارك ال “غريلا”، وتقديم الاستخبارات، وحراسة الحدود السورية، وعمليات ردع واغتيال في لبنان، ونشر الدعاية الداعمة للأسد.
وأصحبت دعاية حزب الله لتبرير النظام السوري هشة وغير مقنعة، متمثلة في خطابات حسن نصر الله، ومما جاء قبل وقت قصير في خطاباته لتبرير مجازر الأسد قوله إن “سوريا هي ظهر المقاومة، وهي سند المقاومة. وإذا سقطت سوريا في يد الأمريكي، والإسرائيلي، والتكفيري، ستحاصر المقاومة. إذا سقطت سوريا ضاعت فلسطين، وضاعت المقاومة في فلسطين، ضاعت غزة، والضفة العربية والقدس الشريف”. ويسال سائل: هل يعقل أن يقتل نظام الأسد نحو 100.000 سوري، بينهم أطفال ونساء، لكي يحتفظ بلقب المقاومة؟
ورغم الثمن الباهظ الذي تدفعه منظمة حزب الله ماديا، المتمثل بمئات القتلى في المعارك السورية، ومعنويا، بحيث أن اللبنانيين فقدوا صبرهم من سياسة الحزب ومآربه، يواصل الحزب في القتال إلى جانب الأسد.
وتحدثت تقارير أخيرة في إسرائيل عن أن الحزب يجمع معلومات استخباراتية عن تحركات الجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان، ما فسّره ضباط إسرائيليون أنه يلّمح إلى مغامرة جديدة يخططها الحزب مع إسرائيل.