في بيتهما في ضواحي قلنسوة يجلس يعقوب نصر الله وزوجته، نهلة، بلا حيلة منذ ستة أشهر. ابنهما البكر، يوسف، ابن 19 ونصف، غادر البيت في يوم من الأيام، بلا إنذار مسبق، وقرر عبور الحدود إلى الأردن ومن ثَمّ لسوريا. كان هدفه الانضمام للتنظيمات المتصارعة مع نظام الأسد، ومنها “الدولة الإسلامية”، المعروفة بداعش. في حين انضوى مواطنون إسرائيليون آخرون تحت لواء المليشيات المسلحة وقُتل بعض منهم في المعارك بسوريا، نصر الله، حسب المعلومات التي وصلت عائلته، حي ومعتقل على يدي الأجهزة الأمنية الموالية للرئيس بشار الأسد. وما وراء ذلك، لا يعرف أهله عن حاله شيئًا وعن المصير الذي يترصّد به.
تتوافق قصة نصر الله مع أولئك العشرات من الشباب مواطني إسرائيل، الذين خرجوا لسوريا للانضمام للتنظيمات المقاتلة فيها، وهي في أغلبها مليشيات إسلامية متطرفة. الاسم البارز الآن هو داعش، “نجم الإعلام العالمي الصاعد”، وهو هدف دول الغرب الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة، ورعب الحكومات العربية في الشرق الأوسط.
أغلب العائلات التي انضم أبناؤها للتنظيم الإجرامي تفضل أن يبقى اسمها في الخفاء وتطلب الابتعاد عن الأضواء. “لا نريد التورط”، “اتركونا بسلام”- هذه هي الجمل التي تعود على ذاتها تقريبًا في كل محادثة مع عائلات المتجندين. وهي تمتد من الناصرة إلى حورة النقب، قرى الجليل، منطقة المُثلّث ووادي عارة. القاسم المشترك الوحيد لأغلب المغادرين إلى سوريا هو نمط الحياة المتديّن الذي اتبعوه. أغلبهم من العازبين، لكن ليس دائمًا؛ من بينهم أيضًا أكاديميون، ويبدو أن الوضع الاقتصادي لا يشكل وزنًا في قرارهم.
مؤخرًا، زاد الانشغال في هذه الظاهرة في المجتمَع العربي وأثارت أسئلة عديدة- ما هي دوافع المغادرين وما هي تبعات المغادرة، كيف تحوّل المجتمع العربي إلى أرض خصبة لخطوات من هذا النوع وعلى من تقع المسؤولية في علاج الظاهرة. هذه الحوارات ليست فقط من نصيب الأكاديميين والشخصيات العامة؛ بل تدور أيضًا في الأروقة والمطاعم. في الأسبوعين الماضيَين علت وتيرة الحديث حول الموضوع جرّاء النَشْر عن موت أحمد حبشي من إكسال، الذي انضم إلى داعش وقُتل في العراق، وعن التقارير المتحدثة عن ثلاثة شباب غادروا من يافة الناصرة إلى تركيا، ثم إلى سوريا، في عطلة عيد الأضحى.
إذًا ما هو الدافع لعرب إسرائيل إلى الخروج للقتال في دولة أجنبية؟ قالت عائلات الشباب الذين انضموا لداعش إن صور الجثث، الأطفال القتلى والدمار الكبير في سوريا، التي تبث مرة بعد أخرى في القنوات الفضائية، أثرت كثيرًا على أبنائهم. أحد الأسباب الأخرى هي مواعظ رجال الدين: معلم من منطقة وادي عارة، الذي يعرف نفسه كملتزم ويرتاد المساجد أيام الجمعة، يقول إن الخطب التي تُسمع فيها يمكن أن توحي للشباب ذوي العقلية الثائرة. “تسمع في الدعاء: “اللهم أعن المجاهدين على النظام الظالم في سوريا”، يجب أن يؤخذ في الحسبان في كل دعاء أن شابا في سن العشرين يمكن أن ينجر وراء ذلك بعيدًا. هذا صحيح ليس فقط فيما يخص عرب إسرائيل، بل أوروبا أيضًا وفي كل مكان، نحن جزء من العالم”.
د نهاد علي، عالم اجتماعي من جامعة حيفا، كلية الجليل الغربي، يذكر أن أحد عوامل الظاهرة هو المعارضة لنظام الأسد من الإخوان المسلمين وحليفتها أيديولوجيا في إسرائيل، الحركة الإسلامية. أما من كان حسب تعبيره “فريسة سهلة” للتجنيد فهم مَن تعلموا خارج إسرائيل، وعانوا من الوحدة والتقوا بمؤيدي التنظيم. يتفق علي والمعلم من المثلث أن الانضمام لداعش يمكن أن يجذب من يرى فيه دمجًا ما بين الجهاد المقدس من أجل الإسلام وبين اختبار للرجولة.
تقول عائلة نصر الله إن ابنها قد اتبع مؤخرًا أسلوب حياة متديّن وقوي إيمانه بعد أن فقد صديقًا مقربًا مات بسبب مرضه، لكنه كما عرفوا عنه لم يكن معرض إلى تأثير إلى حد كبير بحيث يجعله يغادر البيت. حسب قولهم، وضْع ابنهم النفسي لم يجعله يتخذ القرار عن وعي كامل.
في 18 من نيسان، هذه السنة، يقول نصر الله، خرج ابنه إلى رحلة للترفيه في طبريا ومعه 3000 شاقل، جواز سفره وبعض الأغراض الشخصية. “في منطقة طبريا، انفصل عن أصدقائه قائلا لهم إنه مسافر للأردن”، قال الأب. “نحن لم نعرف بتاتا أنه خرج إلى هناك، وعندما توجهنا للشرطة تبين أنه قد قطع الحدود في معبر الشيخ حسين”. خرج أبناء العائلة إلى عمان في محاولة لإيجاد يوسف. حسب أقوال الأب، “قابلت ضابط استخبارات أردنيّ، الذي توقع أن يكون ابني قد صار في سوريا. سألت كيف يعبرون الحدود، لأن ابني لديه جواز سفر إسرائيلي، وتبين لي أن سائقي سيارات الأجرة يمكنهم أن يرتبوا لمن يريد دخولا مقابل 10-15 دينارا”. يعتقد والدا يوسف أنه انضم لتنظيم ما واعتقل فورًا بعد أن قطع الحدود، لكن ما من دليل قاطع على ذلك.
“نحن ندعو كل من يمكنه أن يساعدنا في إعادته لنا، لا مكان نبحث فيه عنه في سوريا أو في أي مكان آخر”، قالت أم يوسف، نهلة. أرسل أبوه قبل عدة أيام رسالة للرئيس الفلسطيني محمود عباس، وطلب منه أن يتدخل من أجل ابنه. “في الجانب الإسرائيلي ليس لدينا من نتوجه إليه”، يوضح الأب، “توجهت لأبي مازن ولأعضاء الكنيست العرب، ربما سيساعدني ذلك في شيء ما”.
بينما تنتظر عائلة نصر الله أي بارقة أمل عن حياة ابنها، تنتظر عائلة أحمد الشوربجي من أم الفحم صدور الحكم في حق ابنها، الذي يمكن أن يصدر في تشرين الثاني. خرج أحمد الشوربجي إلى سوريا في كانون الثاني هذه السنة، مكث فيها ثلاثة أشهر فقط وبعدها ندم وعاد إلى إسرائيل. مع وصوله إلى مطار بن غوريون في 20 نيسان، اعتقلته الشرطة والشاباك، وأدين مؤخرًا في المحكمة المركزية في حيفا بتهمة الخروج غير القانوني إلى دولة عدوة والتدرب بالسلاح.
حسب ادعاء النيابة، فيما كان ماكثا في سوريا، اجتاز الشوربجي تدريبات عسكريّة شملت تشغيل سلاح خفيف، مدفعية ثقيلة، قنابل وقذائف آر بي جي. في البيان الذي نشره الشاباك بعد اعتقاله قيل إنه اشترك على أقلّ تقدير في معركتين ضد قوات الأسد، وخرج مع “الجهاد العالمي” في مناطق مختلفة في سوريا. تطالب النيابة بالحكم على شوربجي بالسجن الفعلي من سنتين إلى أربع سنوات، فيما يطالب محاميه حسين أبو حسين الاكتفاء بأشهر اعتقاله منذ عودته إلى إسرائيل.
قال قريب للعائلة هذا الأسبوع الذي قد عرف الشوربجي جيدا، إن انضمام شوربجي من ناحية أيديولوجية إلى داعش لم يكن مفاجئة: “لقد كان متديّنا جدا، كان يصلي كل الوقت ويقرأ الكتب الدينية. قبل أيام من اختفائه قال لعائلته إنه يريد أن يعتكف في المسجد القريب من بيته، لكن تبين أنه غادر إلى تركيا. حسب التفاصيل المعروفة للعائلة، سافر الشوربجي جوا لإستانبول، وبعد مرور عدة أيام خرج نحو الحدود السورية ووصل إلى منطقة إسكندرون، في الطرف الغربي من الحدود التركية السورية. بعد مرور أسبوعين أجرى اتصالا مع أبيه وأبلغه بأنه سيمكث في سوريا.
حسب أقوال قريب العائلة، طلب الشوربجي بداية الانضمام للمليشيا المعروفة “بجيش محمد”، لكن بعد مرور أسابيع انضم في ظروف غير واضحة إلى داعش. بعد أيام من ذلك، طلب منه حرق جواز سفره الإسرائيلي، وكل مستند آخر يثبت الهوية. لقد أوضح الشوربجي في التحقيق معه أنه خشي أن يُتهم من حزب الله بأنه جاسوس إسرائيلي. عندما قرّر العودة إلى إسرائيل، قطع الحدود التركية بمعاونة مهربين وأجرى اتصالا مع أبيه الذي سافر إلى تركيا. بعد أن نجح الأب في استصدار جواز سفر له عاد الاثنان جوا إلى مطار بن غوريون واعتقل الابن.
يذكر المحامي أبو حسين أن موكله دعي إلى محادثة استيضاح مع الشاباك، إذ يبدو أن رجال المنظومة الأمنية عرفوا عن نيته الخروج إلى سوريا، وأضاف أن الشوربجي قد أجرى اتصالا مع أحد رجال المنظومة الأمنية وطلب منه المساعدة في العودة إلى البلاد. ذكر محامي الدفاع كذلك حالتين إضافيتين، عن شبان من أم الفحم وقرية المشيرفة، الذين خرجوا لسوريا سابقا، وعادوا إلى إسرائيل ولم يعاقبوا. حسب تعبيره، يبدو أن دولة إسرائيل غير متلهفة لمنع انتقال الشباب لسوريا، وعلى عكس دول أخرى في العالم لم تعلن عن داعش تنظيمًا إرهابيًّا: فقط في الشهر الماضي اعتبره وزير الدفاع “تكتلا غير مسموح به”.
في موقع الشاباك، إلى جانب قصة الشوربجي، مذكورة تفاصيل المخاطر المتعلقة في خروج عرب إسرائيل إلى سوريا: نشاطهم في دولة فيها جهات معادية لإسرائيل، تدريبات عسكريّة، إلى جانب تعرضهم لأيديولوجيا دينية متطرفة وإمكانية استغلال المغادرين لعمليات عسكرية أو للحصول على معلومات عن أهداف فيها. مقابل ذلك، قال ضابط استخبارات رفيع يتابع ما يجري في المجتمَع العربي هذا الأسبوع لصحيفة “هآرتس”: “نحن لا نتحدث عن ظاهرة واسعة النطاق تحظى بالتأييد- والدليل على ذلك أن أيا من العائلات لم تبد تأييدها العلني لما حدث. كذلك، ليست الأعداد كبيرة، وهذا يوضح عدم اتخاذ الإجراءات، مما يعني من ناحية القانون أنه كان في الأمر صعوبة ما دامت داعش لم تعرّف تنظيمًا إرهابيًّا”. حسب تعبيره، “نحن نفحص الأمر، لكني لم أكن لأقول إن هذه هي الإشكالية الأكثر إقلاقا من ناحية المنظومة الأمنية.
تم نشر المقال لأول مرة على موقع صحيفة هآرتس