كانت المجزرة التي ارتكبها حزب الكتائب اللبنانية في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، صبرا وشاتيلا، نقطة تحوّل في إدارة حرب لبنان الأولى، وكذلك في حياة أريئيل شارون السياسية.
طيلة سنوات، اعتُبِر شارون نذلا ومنبوذا في إسرائيل، وذلك في أعقاب اتهامه مسؤولا بطريقة ليست مباشرة عن المجزرة، في لجنة التحقيق التي أقيمت بعد الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة في إسرائيل مع ظهور الأدلة في لبنان.
إذن، ما الذي حدث فعلا هناك، في مخيّمات اللاجئين، بين 16 و 18 أيلول عام 1982؟
حول الحقائق الأساسية التالية لا يوجد جدال: يجري الحديث عن مجزرة ارتكبها حزب الكتائب اللبنانية خلال الحرب الأهلية اللبنانية، بين 16 أيلول و 18 أيلول عام 1982، وذلك تجاه المئات من سكان مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين صبرا وشاتيلا، برج البراجنة وحي الفاكهاني في بيروت الغربيّة. دخلت قوات حزب الكتائب اللبنانية إلى المخيم كجزء من سلطة الجيش الإسرائيلي إلى بيروت الغربيّة.
قادت حملة سلامة الجليل الجيش الإسرائيلي إلى أبواب بيروت، حيث تمركز غربيّ المدينة آلاف المقاتلين من منظمة التحرير الفلسطينية. فرض الجيش الإسرائيلي حصارًا على غربيّ المدينة، ولكنه امتنع من الدخول إلى الحيّ خوفًا من الخسائر المحتملة من القتال في المدينة. قبيل منتصف شهر آب عام 1982، وفي أعقاب الحصار، تم تحقيق اتفاق لإخراج القوات السورية والقوات الفلسطينية من بيروت، برعاية قوات دولية ونقل رجال منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس. وقد تم إخلاء رجال منظمة التحرير الفلسطينية في 31 آب 1982. ولكن وزير الدفاع، أريئيل شارون، خشي من أن يكون هناك آلاف المقاتلين الفلسطينيين مختبئين في مخيّمات اللاجئين غربيّ بيروت.
في 23 آب 1982 اختير بشير الجميّل، قائد حزب الكتائب اللبنانية سابقًا، رئيسًا للجمهورية اللبنانية. وقد اختير دون موافقة المسلمين، ولكنه حظي بدعم إسرائيل والجيش الإسرائيلي الذي وصلت قواته، في إطار عملية سلامة الجليل، إلى بيروت. في 14 أيلول قُتل الجميّل حين كان يخطب في فرع حزب الكتائب اللبنانية في حيّ الأشرفية، بواسطة عبوة وضعها قاتل من طرف “الحزب السوري القومي الاجتماعي”، في الطابق فوق القاعة التي خطب بها. في أعقاب اغتيال الجميّل، سيطر الجيش الإسرائيلي على بيروت الغربيّة، ذات الأكثرية الإسلاميّة. وقد ألقيت مهمّة تطهير مخيّمات اللاجئين من المقاتِلين الفلسطينيين على قوّات حزب الكتائب اللبنانية بقيادة إيلي حبيقة.
دخلت قوات حزب الكتائب اللبنانية إلى مخيّمَي صبرا وشاتيلا بتاريخ 16 أيلول مساءً، وبدأت بالقتل عشوائيًّا خلال وقت قصير. خرجت قوات الحزب من المخيمَين يوم 18 أيلول صباحًا وفقًا لطلب الجيش الإسرائيلي، وبدأت خلال اليوم فقط تتضح معالم المجزرة. لا يوجد معلومات دقيقة حول عدد ضحايا المجزرة، وتشير التقديرات إلى أن الحديث يجري عن نحو 700 حتى 800 شخص.
خلال اليوم السابع عشر من أيلول، بدأت تتجمع المعلومات لدى الإسرائيليين حول أعمال حزب الكتائب اللبنانية في المخيمات. وبدأ جنود الجيش الإسرائيلي المتمركزين حول مخيمات اللاجئين، بل والمراقبين لها، يعلمون ما يحدث من أعمال قتالية، وإن لم تكن معرفة تامة لحجمها. وصلت معلومات من خلال رجال المخابرات إلى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، يهوشع ساغي، وبواسطة صحفيين إلى وزير الإعلام مردخاي تسيبوري، وعن طريقه إلى وزير الخارجية إسحاق شمير، بل إلى أريئيل شارون، وزير الدفاع، في ذلك الوقت.
سمع رئيس الحكومة مناحم بيجن عن المجزرة لأول مرة فقط في الساعة الخامسة بعد الظهر بتاريخ 18 أيلول، من خلال استماعه لمحطة بث الإذاعة البريطانية الـ BBC.
رغم أن المجزرة ارتكبت على يد حزب الكتائب اللبنانية، اعتبرت إسرائيل مشاركة فيها، وذلك لأن الجيش الإسرائيلي سيطر على المنطقة ودخلت الكتائب إلى المخيمات بموافقته.
في عام 1999 أصدر الحارس الشخصي السابق لحبيقة، روبير حاتم، كتابًا ادّعى فيه أنّ مجزرة صبرا وشاتيلا تم التخطيط لها بواسطة كل من حبيقة وحافظ الأسد بهدف إحراج إسرائيل.
وأثارت المجزرة إدانات حادّة تجاه إسرائيل في جميع أنحاء العالم ومطالبتها بالانسحاب من لبنان فورًا. كما ووصل مشاة البحرية الأمريكية وجنود من فرنسا إلى لبنان في محاولة لتهدئة الأوضاع.
ولم تكن تلك هي المجزرة الأولى خلال الحرب الأهلية في لبنان، بل سبقتها مجازر كثيرة أخرى، ولكن بخلاف سابقاتها أثارت مجزرة صبرا وشاتيلا ردود فعل قوية حول العالم. هناك من يدّعي بأن هذه الردود نشأت لأن مجزرة صبرا وشاتيلا اعتبرت جزءًا من الصراع الإسرائيلي-العربي، بينما اعتبرت المجازر الأخرى شأنًا لبنانيا داخليًا.
في أعقاب المجزرة، قامت عاصفة شعبية في إسرائيل. وبرزت بشكل خاص “مظاهرة الأربعمئة ألف” وكانت مظاهرة ضخمة ضدّ الحرب في لبنان، وقد نظمتها الحركة اليسارية “السلام الآن”. وفي أعقاب العاصفة الشعبية تم تشكيل لجنة تحقيق رسمية – لجنة كوهين، وترأس اللجنة رئيس المحكمة العُليا إسحاق كوهين.
وقد قرّرت اللجنة بأنه لا يوجد أدلة على تورط الجيش الإسرائيلي المباشر في المجزرة، ولكن قادة الجيش علموا، في مرحلة ما، عن أن المجزرة دائرة ولم يبذلوا أي جهد لإيقافها. وقد أوصت اللجنة بأن يستقيل وزير الدفاع أريئيل شارون من منصبه، وألا يتم إعطاؤه حقيبة وزارة الدفاع مرة أخرى. رفَض شارون الاستقالة، لكنّه نُقل بناءً على قرار الحكومة ليتولى منصب وزير بلا حقيبة.
ووفقا لبرتوكولات سرية نشرت قبل نحو عام قال شارون إنه لم تكن هناك إمكانية لنتوقع مسبقًا احتمال حدوث مجزرة بهذا الحجم: “لا يوجد لدي ادّعاء تجاه “الموساد” – فهو كذلك لم يقدّر الحدث. شعبة الاستخبارات العسكرية لم تقدّر، الموساد لم يقدّر، لم يقدّر أحدٌ منّا، أن يحدث ذلك”.