بعد سنوات من الهدوء النسبي، أصبح يقف صانعو القرار الإسرائيليون أمام ثلاث حلبات مستعرة. تهدف المصلحة الإسرائيلية إلى تقليل الفوضى المستعرة في هذه الحلبات إلى الحد الأدنى، وتجنب المواجهات التي قد تنتشر، لهذا هناك حاجة إلى العمل الدقيق والمحسوب. في الوقت الحالي، ربما هناك حاجة سياسية إلى هدم منزل في معسكر اللاجئين الذي يتطلب قوى كبيرة ويشعل المنطقة، ولكنه لا يخدم الهدف الأعلى – منع سلسلة النجاحات الأخيرة لحماس من أن تصبح موجة مستمرة تعرّض إسرائيليين كثيرين للخطر وتتطلب المزيد من القوى الأمنية الإسرائيلية التي تنشط في الشمال والجنوب.
تحاول حماس منذ وقت نقل حلبة القتال من غزة المرهقة، والتي تحتاج إلى هدنة، إلى الضفة الغربية. لقد نجحت حماس في الاحتفال بذكرى الـ 31 لإقامتها. يرتكز الضغط الأساسي الذي تمارسه الحركة في رام الله، التي تشكل معقلا للسلطة الفلسطينية. يقول المثل العربي “ضرب عصفورين بحجر واحد”: إن الإضرار بالإسرائيليين كاف بحد ذاته، ولكن هناك فائدة أيضا – الخطوات الهجومية التي تشنها إسرائيل ردا على العمليات تُظهر أبو مازن بصفته ضعيفا وغير مسؤول.
في هذه الأثناء، تستند موجة العمليات إلى حد كبير إلى النواة الكبيرة من داعمي الحركة، وحتى الآن لم تشهد هذه الموجة مشاركة جماهيرية واسعة. صحيح أن النظرة إلى إسرائيل، لا سيما من جهة الشبيبة الفلسطينيين سلبية أكثر من أي وقت مضى، ولكن، ينظر الجمهور في الضفة إلى غزة، حتى بعد وصول حقائب الدولارات القطرية، ويلاحظ أن %70 من الشباب لا يعملون، إمدادات الكهرباء محدودة، مياه الشرب غير صالحة، والحياة صعبة. للمقارنة، ارتكزت المظاهرات مؤخرا في قانون التأمين الاجتماعي، الذي يلزم الأفراد أن يدفعوا جزءا من رواتبهم إلى خزينة السلطة. البشرى السارة هي أن هناك راتبا، وبالمقابل، البشرى السيئة أن حماس لا تحتاج إلى انضمام الجمهور، فهي قادرة على العمل وحدها، على الأقل، حتى يعتاد الجيش الإسرائيلي على الظروف الأمنية المتغيّرة، وسيحدث هذا كما حدث في موجة عمليات الطعن.
هناك علاقة بين حلبات المعارك الثلاث وهي غزة، الضفة، ولبنان، من ناحية الحوار أيضا. ينشط نشطاء حماس والجهاد في الحيز الرقمي ذاته التابع لنشطاء حزب الله. السيناريو السائد في الأشهر الأخيرة هو أن إسرائيل ضعيفة، تسعى إلى منع تصعيد الوضع بكل ثمن، وتستر على إدارتها بلهجة قتالية وتهديدات فارغة. هذه هي الصورة التي يراها نشطاء معسكر “المقاومة”، وكما يحدث في أحيان كثيرة، تؤثر الحملة التسويقية التي يشنها صناع القرار فيهم أيضا.
ستحتفل حماس اليوم بمرور 31 عاما على إقامتها بمشاركة عدد كبير من الجمهور، ويبدو أن الاحتفال سيتضمن مفاجآت من حملات تسويقية تهدف إلى الإضرار بالمعنويات الإسرائيلية كما هو معتاد. يتميز عصر السنوار بالانسجام بين السلاح والسياسة، الجرأة وتهديد الإسرائيليين. كل هذا لا يؤثر في حقيقة أن أحد عشر عاما من حكم حماس في غزة كان بمثابة كارثة، ولكن تنجح حماس مرة تلو الأخرى في التخلص من الانتقادات بسبب إطلاق النيران، في كل مرة تتعرض لها. عندما وصلت الانتقادات إلى الذروة في ظل العقوبات التي فرضها أبو مازن على غزة – توصلت حماس إلى صفقة مع إسرائيل، فاتُهمت بأنها باعت القضية الفلسطينية مقابل القليل من الأموال القطرية – أطلِقت صواريخ على الجنوب وبدأت حملة إرهابية في الضفة. تشن حماس معركة في الأيام الأخيرة ضد أبو مازن والأجهزة الأمنية الفلسطينية. من جهتها، تشكل الأيام الأخيرة تجربة قبيل المعركة الكبيرة القريبة. إذا اعتقدنا أنه يمكن إنهاء توزيع الغنيمة بين كبار فتح دون حماس، فمن الأفضل التفكير مجددا.