ليس سرّا أن شركات الإعلان تجمع المعلومات عنّا وترصدها، من صفحاتنا الشخصية في فيسبوك وإنستجرام. لاحظوا على سبيل المثال، الإعلانات التي تظهر لكم في كل مرة على صفحات الفيسبوك وافهموا كيف تنشر شركات التأمين، المصالح التجارية، وشركات البيع بالتجزئة المنتجات والخدمات التي قد تهتمّون بها تحديدا.
ولكن إلى جانب التعبير عن آرائنا السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية في مواقع التواصل الاجتماعي، نحن لا نعرف حقّا ماذا نكشف. أظهرت دراسات نفسية أجريت في السنوات الأخيرة أنّه عدا المعلومات المعلنة، فإنّ السلوك الرقمي لنا يكشف عن صفات شخصية تميّزنا مثل الميل إلى الاكتئاب، الضغط، القلق، الاعتمادية بل وحتى الاضطرابات الشخصية.
أحد الأدلة على أننا، بصفتنا مستخدمين رقميين، نكشف الكثير جدا من سلوكياتنا النفسية، دون أن نلاحظ ذلك أبدا، هو أنّنا قرارنا الأساسي حول مع من نتواصل، متى نتواصل، وكم من الوقت نمنح هذا التواصل. ولأنّ هذا الاتصال يجري في المجال الافتراضي وليس في لقاءات حميمية، وجها لوجه، فنحن معرّضون للكشف بسهولة أكبر عن معلوماتنا الشخصية ونسمح لأنفسنا بأن نكشف “الأنا الحقيقي”.
الشعور بالسيطرة وحقيقة أننا موجودون “خلف الشاشة” يؤديا إلى الكشف الذاتي المتزايد للمحتوى الشخصي والحميمي. بالإضافة إلى ذلك، فهو يسمح بتحقيق خيالات لا نستطيع تحقيقها في حياتنا اليومية بسبب الخوف من ردّ فعل الجانب الآخر. في بعض الحالات يسمح الإنترنت لنا التعبير عن تلك الأجزاء السلبية التي توجد لدى كل واحد منا، التي لا تحظى بمشروعية لدى معظمنا في الحياة اليومية وفي الغالب لا تكون مقبولة اجتماعيا. يقول الناس أقوال في الشبكة ويفعلون أمورا لا يتجرأون على القيام بها أبدا، “مباشرة”.
على سبيل المثال، فالوتيرة التي يحدّث فيها “الستاتوس” Status)) قد تدلّ على انعدام الاستقرار، قد تدل كثرة تغيير الصورة الشخصية والتحديثات اليومية على شخصية منفتحة، قد تدل كثرة “الإعجاب” بمنشورات الآخرين على محاولات إثارة الإعجاب في نظر الآخرين أو على الاعتمادية. فضلا عن ذلك، فإنّ قرار عدم مشاركة المعلومات مثل ما هو التفضيل الجنسي أو هل أنا الآن في علاقة من شأنه أن يكشف أكثر عن المستخدم مما لو اختار نفس المستخدم الكشف عنها.
العصابية والفيس بوك
هناك علاقة بين اضطراب الذهان والعصابية وبين الرغبة الكبيرة في قضاء الوقت في الفضاء الرقمي. وذلك لأنه يوفر للمستخدمين منصّة مريحة للتعبير عن الجوانب الداخلية لديهم والتي لا تنعكس في البيئة الواقعية اليومية. بالنسبة للعصبيين الذين يتميّزون بالخجل والقلق، فإنّ الكشف عن الأفكار والمشاعر الشخصية قد يكون غير محتمل، ولكن يسمح الإنترنت بالشعور بتعرّض أقلّ للتهديد. بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من الذهان والذين يجدون صعوبة في الاندماج بالمجتمع، يوفّر الإنترنت خيارات مختلفة لـ “الاندماج”.
وإلى جانب التنبّؤ بالصفات الشخصية، فقد استطاعت دراسة أجريت مؤخرا في قسم علم النفس في جامعة هارفرد توقّع علامات الاكتئاب في أوساط مستخدمي إنستجرام من خلال تحليل إحصائي لسلوكهم في تلك المنصّة بعد تحليل المنشورات التي نشروها. وُجد أنّ الصور التي نشرها مستخدمون يعانون من الاكتئاب كانت أكثر ضبابية، رمادية، وداكنة (من خلال استخدام الفلاتر)، وكذلك فإن المستخدمين الذين كانوا يعانون من اكتئاب كانوا يميلون إلى نشر عدد أكبر من الصور التي يظهر فيها وجههم ولكن مع عدد أقل من الأشخاص في كل صورة. كما يبدو يحدث ذلك لأنّ الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب يميلون إلى قضاء الوقت في مجتمع مصغّر.
للإجمال، نوضح أنه يمكن في الإنترنت أن نعكس الكثير من المشاعر الخفية لدينا، دون أن نكون واعين لذلك. فهكذا تجد المشاعر المخبأة لدينا والتي نسيطر عليها في العالم المادي، حريتها في الإنترنت. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ الإنترنت يجعلنا نتخلى عن مسؤولية كلامنا ويسمح، من بين أمور أخرى، لنا بتجاهل الأجزاء الأخلاقية لـ “لأنا”. ولذلك، فإنّ مراقبة السلوك الرقمي للأشخاص تسمح بالكشف عن معلومات شخصية تساوي وأحيانا تفوق التعرف الشخصي بين البشر.
للمرة الأولى، نُشرت دراسات كثيرة تم اقتباسها في المقال، في موقع هآرتس