بعد ساعات على قرار وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعلون، تنفيذ خطة الفصل في الحافلات في الضفة الغربية، حيث لن يستطيع العمال الفلسطينيون السفر مع اليهود في نفس الخطوط، لمدة ثلاثة أشهر تجريبية، قرر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تجميد القرار إثر الانتقادات الشديدة التي سمعت في إسرائيل من كل حدب وصوب. ما الذي أدى إلى القرار المثير للجدل، وما هي الانتقادات التي أدت إلى تجميده؟
نظريًّا، يقول القرار إنّ العمال الفلسطينيين الذين دخلوا مع تصريح دخول إلى إسرائيل، سيستطيعون العودة إلى الضفة عن طريق أربعة حواجز فقط. واقعيًّا، معنى ذلك أنّ عليهم القيام بالتفاف كبير وبأنّهم لن يستطيعوا استخدام خطوط الحافلات المخصصة للمستوطِنين اليهود والمسافرين في الشوارع السريعة والتي تختصر الطريق إلى داخل الضفة. سيطيل الأمر عودة العمال إلى المنزل بساعات، وسينشئ عبئًا على الحواجز المخصصة لهم.
في القرار الأصلي لوزير الدفاع كان بالإمكان العودة فقط عن طريق حاجز واحد، ولكن في القرار الحالي تم توسيعه إلى أربعة حواجز، من أجل تجنّب الإلغاء المحتمل من المحكمة العليا. التفسير الذي أعطاه وزير الدفاع للقرار هو أنّ السفر المشترك للعمال الفلسطينيين مع اليهود في الحافلة قد يشكّل خطرا أمنيا وانفجارا للهجمات الإرهابية، ولكن الشاباك والجيش الإسرائيلي قد قدّرا في الماضي بوضوح أنّه لا يوجد في ذلك أي خطر أمني، حيث إنّ دخول العمال إلى إسرائيل مشروط مسبقا بالموافقة الأمنية.
ومع ذلك، فبحسب مسؤولين إسرائيليين فهو قرار حاول الجيش الإسرائيلي صدّه لفترة طويلة، ولكن كما يبدو فإن الضغوط التي مورست من قبل المستوطِنين قد ازدادت، حتى خضع لها وزير الدفاع.
وقد أثار القرار المثير للجدل موجة من الردود الغاضبة والانتقادات الشديدة جدا، وخصوصا تجاه وزير الدفاع، ولكن ليس ذلك فقط. كان يرتكز أساس الانتقادات ضدّ السياسة التمييزية وانعدام العدالة اللذين يتما نحو العمال الفلسطينيين، الذين يعانون على أية حال من المصاعب الشاقة للحصول على التصاريح والوصول إلى العمل، وكذلك ضدّ آثار هذا القرار على مكانة إسرائيل في العالم، وأيضا على شعور الغضب الفلسطيني الذي قد يحرّض على كفاح جديد ضدّ إسرائيل في الضفة.
كتب زعيم المعارضة، يتسحاق هرتسوغ: “الفصل بين الفلسطينيين واليهود في المواصلات العامة هو إهانة لا لزوم لها ووصمة عار على وجه الدولة ومواطنيها. إضافة المزيد من الزيت على نيران الكراهية لإسرائيل في العالم. وهذا خطأ آخر يرتكبه رئيس الحكومة… كان من الأفضل تجنّب هذه الخطوات التي تتسبّب بالضرر الذي لا لزوم له على اسم وصورة دولة إسرائيل في فترة حساسة جدا”.
وقد وصفت جهات عديدة هذا القرار باعتباره “قرار أبارتهايد (فصل عنصري)”، وأشارت، من خلال انتقادات شديدة للنظام القضائي الإسرائيلي الحالي، بأنّه في عهود أخرى لم تكن المحكمة العليا لتسمح لقرار كهذا بأن يمرّ. وقد أعلنت منظمات حقوق الإنسان عن نيّتها بالعودة لتقديم التماس في المحكمة العليا ضدّ هذا القرار.
وكتبت رئيس حزب ميرتس زهافا جلئون: “السبب الوحيد للفصل بين حافلات اليهود والفلسطينيين هو العنصرية الخالصة، انتصار لحملة عنف يديرها مستوطِنو السامرة في السنوات الأخيرة من أجل ألا “يتلوّثوا” في السفر مع العرب… والأكثر سوءًا، أنّ الفصل في الحافلات هو فقط من أعراض 48 عاما من الاحتلال، والتي تلزمنا أن نكون عميانًا تجاه الفلسطينيين حتى نتمكّن من العيش مع أنفسنا. أقترح على يعلون أن يُلغي من الآن وبمبادرته هذا الإجراء المقزّز. إنْ لم يفعل ذلك، فنحن نشن ضده حرب شاملة، ليس فقط من أجل المسافرين الفلسطينيين؛ ولكن من أجلنا جميعًا”.
وقد تجاوزت الانتقادات الشديدة أيضًا حدود اليمين: فقد كتب الوزير السابق جدعون ساعر من الليكود في تويتر: “قرار الفصل في الحافلات خاطئ ويؤدي إلى أضرار خطيرة على الاستيطان في الضفة الغربية وصورة إسرائيل في العالم. لا يمكن أن يبقى دون تغيير. ولأنّه من الواضح أنّ هذا القرار سيُلغى؛ فينبغي القيام بذلك سريعًا من أجل تقليص الأضرار الجسيمة على إسرائيل والاستيطان”. وكتب داني ديان، الرئيس السابق للمجلس الذي يمثّل المستوطِنين في الضفة: “أدعو وزير الدفاع للرجوع عن قراره حالًا. لا يُمكن مقارنة أي “نجاح” لهذا الإجراء التجريبي بالأضرار التي سيتسبّب بها إبقاء القرار دون تغيير”.
أما الجهات اليمينية فقد أشادت بعدها بالقرار. فقد كتب عضو الكنيست موتي يوغاف من “البيت اليهودي” بأنّه حتّى الآن “ملأ آلاف العمال الفلسطينيين ومن بينهم آلاف المقيمين غير القانونيين خطوط الحافلات ولم يمكِّنوا أبدا من عودة المحتاجين للمواصلات العامة إلى منازلهم في مستوطناتهم في الضفة الغربية. وقد أدت هذه الظاهرة إلى تحرّشات جنسية، سرقات بل وشعور بعدم الأمان وتحديدا عدم القدرة على العودة إلى المنزل بالنسبة لكبار السن والشبان الصغار الذين يحتاجون إلى المواصلات العامة بسبب العبء الثقيل. أهنّئ وزير الدفاع على قراره الذي جاء ليقدّم استجابة خدمية وأمنية أفضل لعموم السكان في الضفة الغربية، كل أولئك الذين يعارضونه لا يعرفون الواقع وهناك نفاق في تصريحاتهم، كذب وانعدام للمسؤولية. ” وغنيّ عن البيان أن عضو الكنيست يوغاف تجاهل في كلامه حاجيات العمال الفلسطينيين، ولم يدعم مزاعمه حول الجرائم في الحافلات بأي شكل.
وقد سُجّل في مواقع التواصل الاجتماعي في إسرائيل صباح اليوم نشاط حيوي بشكل خاص حول هذه القضية، وجدالات عاصفة بين اليساريين الذين اشتكوا من أنّه قرار عنصري يحوّل إسرائيل إلى دولة أبارتهايد (فصل عنصري)، وبين اليمينيين الذين دافعوا عن القرار لأسباب أمنية واحتياجات السكان اليهود في الضفة الغربية.