يعالج الأطباء العرب مرضى من اليهود، كما يعالج الأطباء اليهود مرضى فلسطينيين، تستبدل الممرضات اليهوديات كيس التسريب للمرضى العرب، وتساعد قابلات من العرب في عمليات إنجاب الأطفال اليهود؛ هذه مشاهد يومية في مستشفى هداسا في القدس، المعرّض للمشاكل المادية في هذه الأيام. ووفقًا لتقديرات مصادر من المستشفى فإنّ نحو 20% من العمال والمرضى في المستشفى هم فلسطينيون. وتبلغ نسبة الفلسطينيين في مركز جبل المكبّر القريب من قرية العيساوية أكبر من ذلك وتصل إلى نحو 50%.
ذكرت صحيفة “الحياة الجديدة” الفلسطينية في شهر أيار الماضي أنّ نحو 30% من الأطفال الذين يتعالجون في “هداسا” هم من الفلسطينيين من القدس الشرقية والضفة الغربية. وبالإضافة إلى ذلك، ذُكر أنّ المستشفى الإسرائيلي يؤهّل نحو ستّين طبيبًا فلسطينيًّا الذين سيعودون بعد التخصّص إلى مستشفيات الضفة الغربية للقيام بعملهم. وقد زار وزير الصحة السابق، هاني عابدين، المستشفى ووزّع الهدايا على الأطفال الفلسطينيين.
“جميعنا هنا فريق واحد، ولا فرق بين اليهود، المسلمين والمسيحيين. هدفنا هو واحد: مساعدة المرضى”، هذا ما قالته منار إغبارية في مقابلة معها قبل أكثر من عام لصحيفة “نيو يورك تايمز” الأمريكية، والتي نشرت تحقيقًا شاملا حول التعايش المميّز المتحقّق داخل جدران المستشفى المقدسي.
غالبًا ما يصل التوتر الذي يميّز الحياة المشتركة بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى داخل مدينة القدس التي يعيشون فيها سوية. والتوتّر في “هداسا” هو أكثر حدّة، وذلك حين يعالج الأطباء اليهود والعرب سويًّا ضحايا لعملية إرهابية فلسطينية، أو فلسطينيين أصيبوا بنيران الجيش الإسرائيلي.
الآن كلّ ذلك يواجه خطر التدهور. يعاني المستشفى من عجز ضخم لا يتيح له العمل أكثر. بلغ العجز الحالي لمستشفى هداسا نحو 300 مليون شاقل، ووصل العجز التراكمي إلى 1.3 مليار. منذ شهر، بتم تأجيل دفع نصف راتب الكثير من العاملين ومنهم الأطباء، ولا يستطيع المستشفى تلبية المدفوعات. ويُضرب في الأيام الأخيرة عاملون في مستشفى “هداسا” ومستشفيات مختلفة في البلاد احتجاجًا على الحالة العصيبة للمستشفى.
أقيمت أمس مناقشة في المحكمة المركزية في القدس بخصوص طلب إدارة “هداسا” بتجميد العمليات والإجراءات، والذي ينبغي أن يحميها من الدائنين لمدّة ثلاثة شهور. وتظاهر خارج المحكمة عمال المستشفى ضدّ هذا الطلب خشية أن تؤدّي إلى إلغاء العقود الجماعية وعندها لا يستطيعون بعد ذلك الحصول على رواتبهم.
ويتمّ في الأيام الأخيرة الكشف عن أنّ الترتيبات الإدارية في “هداسا” والتي أدّت إلى العجز الكبير هي ترتيبات فاضحة، ممزوجة بفوضى كبيرة في إدارة الميزانية. فعلى سبيل المثال، تفرغ أطبّاء متخصّصين عن عملهم من أجل العمل في الطبّ الخاصّ، والذي يدخل الأموال إلى جيوبهم بشكل مباشر. وبالمقابل، تتمتع جهات معيّنة في المستشفى برواتب ضخمة، بحيث تدهورت ميزانية المستشفى وهي الآن على وشك الانهيار.