أعاد انتشار فيروس إيبولا إلى أذهان خبراء منظمة الصحة العالمية فكرة أنه على الرغم من التطور العلمي لا يزال العامل البيولوجي يُشكل تهديدًا كبيرًا على مستقبل البشرية. تحظى الفيروسات أيضًا، في العصر الذي تُجسّر فيه التكنولوجيا فجوات الزمن والمسافة، للانبعاث من جديد بمساعدة الطائرات والسفن. كل تلك العوامل تجعلنا نسأل أنفسنا من جديد إن كنا تعلمنا من تاريخ البشرية، وهل ذلك سيعود ويكرر ذاته من جديد.
“الوباء” وفق التعريف، هو انتشار مرض يصيب البشر وينتشر على مساحة واسعة في دولة ما، وحتى في عدة قارات. سُجلت أول ظاهرة وباء أصابت البشرية وتم توثيقها في القرن الـ 14 عندما انتشر في أوروبا مرض “الموت الأسود”، المعروف اليوم باسمه العلمي “الطاعون”. في ذلك الحين أيضًا كانت وسائل النقل هي التي أسهمت بانتشار المرض، عندما جلبت السفن القادمة من الشرق الفيروس القاتل معها إلى قارة أوروبا، ومن هناك انتشر المرض وقتل ما بين 75 – 180 مليون شخص.
تسبب سوء الظروف الصحية في الشرق أيضا بظهور وباء آخر: الكوليرا. تم تشخيص المرض لأول مرة في الهند في القرن الـ 16 تقريبًا وحتى القرن الـ 19 كان قد وصل الوباء إلى الشرق الأوسط، روسيا وأوروبا. فقد العديد من الأشخاص، الذين أُصيبوا بفيروس الأمعاء المسبب للمرض، حياتهم خلال انتشار الوباء. تم تسجيل آخر ضحية للمرض في هايتي عام 2010 بعد الهزة الأرضية التي ضربت البلاد.
وجدت الدول الأوربية، مع انتهاء الحرب العالمية الأولى، نفسها أمام ضربة إضافية، حصدت عددًا من الأرواح يفوق عدد ضحايا الحرب نفسها. تمكن المرض، الذي أُطلق عليه حينها اسم “الإنفلونزا الإسبانية”، من حصد أرواح 50 – 100 مليون شخص حول العالم، معظمهم من الجنود الذين أُصيبوا بالفيروس، خلال الحرب، في الدول التي شاركت في القتال.
تم تشخيصه أكثر وباء معروف في عصرنا هذا عام 1981 حيث تم تعريف المرض القاتل والغامض ذاك باسم “متلازمة نقص المناعة”، المعروف اليوم أكثر باسم “الإيدز”. مات ما يقارب 25 مليون إنسان على مدى الأعوام الـ 30 الأخيرة نتيجة هذا المرض. لم يتم العثور حتى الآن على لقاح ضد فيروس الإيدز (HIV) المسبب للمرض، ولكن، بفضل علاج دوائي مُدمج تم تطويره في تسعينيات القرن الماضي، يمكن إطالة أعمار المصابين بالفيروس وتحسين جودة حياتهم.
نالت بعض الفيروسات القاتلة، التي ظهرت في السنوات الأخيرة، اهتمام منظمات الصحة العالمية فقط بعد أن حدث تحول جيني داخل تلك الفيروسات جعلها فيروسات مميتة. ومثال على ذلك “أنفلونزا الخنازير” و”أنفلونزا الطيور”، المرضان اللذان تم تشخيصهما في عام 2009. أصيب ثلث سكان العالم، على الأقل، بالفيروس ولكن أدى التحرك السريع لمنظمات الصحة العالمية ضد الوباء إلى تقليل نسبة الضحايا نتيجة هذا المرض بشكل كبير.