وسط الأسبوع، ظهر اليوم، المنطقة الصناعية في القدس. من الصعب تخيّل مدخل النادي الأسطوري “هأومان 17” مزدحما بالروّاد. ساحة متواضعة، تقع بين كراجات ومتاجر الفرش، تختبئ تقريبا في قلب المنطقة الصناعية. يحتفل “هأومان 17” هذا العام بمرور 24 عاما على تأسيسه، وليست هذه مسألة صغيرة.
“هأومان” هو أحد النوادي الوحيدة في إسرائيل المعروفة أيضًا لأولئك الذين لم تطأه أقدامهم أبدا. على مدى سنين طويلة توقعوا له مستقبلا أسود، ورثى له الصحفيون أكثر من مرة. تم تعريف المكان باعتباره “منارة للصحة العقلية” في المشهد المقدسي، وأدار علاقات الحب – الكره مع المدينة التي ولد وعمل فيها.
وعلى الرغم من ذلك، لا يزال باستطاعة المالكين ملء المكان لأربعة ليال في الأسبوع. جمهور نادي “هأومان” الثابت، والذي يزوره كل أسبوع على مدى سنوات، بقي وفيا للمكان، وهو المسؤول عن الطوابير الطويلة المتتابعة في المدخل.
تبدو قصة “هأومان 17″، النادي الأقدم الذي أخذ اسمه من العنوان الدقيق حيث يقع، كسيناريو هوليوودي. مرة تلو أخرى تصدّر النادي العناوين. فضيحة وراء فضيحة، والإعلام يغطي بحماسة التطورات الدراماتيكية. أوامر الإغلاق بسبب تبادل الاتهامات، حريق ضخم دمّر النادي كله ومحكمة مغطاة إعلاميا حول تهرّب أصحابه من دفع الضرائب، كل ذلك هو فقط جزء من الدراما التي رافقت المكان خلال سنوات عمله الطويلة.
عام 1994، تم افتتاح النادي الأسطوري “هأومان 17” في بناية بُنيت في بداية سنوات التسعينيات كتوسعة لمصنع “رخام القدس” المجاور. شارك خمسة شركاء شباب لتأسيس “هأومان 17”. كان لدى جميعهم موطئ قدم في مشهد النوادي المقدسية.
لم تكن البداية سهلة: أصر مالكو المكان على تشغيل موسيقى “هاوس”، التي كانت غريبة على جمهور الرواد الإسرائيلي. بدأ الناس بالاهتمام بهذا النوع من الموسيقى الذي تم عزفه في “هأومان” وبدأ العديد من الفنانين حول العالم بعزف هذا النوع الموسيقي الذي اجتاح النادي.
“حفلات خالية من الله”
جرى التجديد التالي عام 1997، عندما بدأ “هأومان” بعقد حفلات الـ After. وهي حفلات الفجر أقيمت مرة كل عدة أشهر، في الأعياد بشكل أساسيّ، وفتحت فصلا جديدا في حياة النادي.
بدأ النادي بجذب الرواد الأكثر جدّية: التل أبيبيون. قدِم الروّاد من مدن المركز في إسرائيل في المرات الأولى بعد حفلات الفجر وأشاعوا الأمر. تم وصف حفلات الـ After باعتبارها “تقطر فجورا، تتميّز بجمهور ملوّن وشاب. سُكر الحواسّ”.
بل وتساءلت صحف أواخر سنوات التسعينيات كيف يمكن أن تُقام الحفلات التي نظّمها “هأومان 17″، وهي “حفلات خالية من الله”، تحديدًا في المدينة المقدسة القدس.
عُرف النادي حينذاك كمكان يضع معايير دولية عالية. لقد أحضر الصوت والإضاءة المبتكرة والخلفيات التي لم يكن لها مثيل. جرى في المكان في ذروة النجاح انتقاء صارم، والذي خلّف العشرات من خائبي الأمل في الخارج. الذي حظي حينذاك بالدخول إلى المكان تطلّب منه دفع مبالغ كبيرة جدا من أجل الحصول على بطاقة دخول.
في ظلال انتفاضة الأقصى
جلبت بداية الألفية الجديدة معها أخبارا قاسية على النادي. أضرّت انتفاضة الأقصى وموجة العمليات في بداية سنوات الألفين بشكل ملحوظ بالنشاطات وبالدخل. خشي الروّاد من الوقوف في الطابور خارج المدخل والفنانين الأجانب (D.Jز) امتنعوا عن الذهاب إلى إسرائيل، معقل التفجيرات والانتحاريين. عطّل الإرهاب في القدس جميع صناعة الترفيه المحلية، وجماهير الناس الذين اعتادوا على الاحتشاد في المدينة ظلّوا بعيدين عنها.
كانت تلك فترة قاسية. في إحدى الليلات تم إحضار D.J عالمي إلى النادي وصادف ذلك إعداما خارج القانون في رام الله (12 تشرين الأول 2000). كانت هناك تساؤلات في النادي إذا ما كانوا سيقيمون الحفلة كما مخطّط لها. أصرّ الـ D.J على القيام بعمله من أجل الجمهور المحلي، وتقرّر أن تستمرّ الحفلة.
تم إغلاق النادي عام 2002 لفترة قصيرة بسبب شعور الإرهاق لدى الشركاء، ولكن في أعقاب تحسّن الحالة الأمنية تم افتتاحه مجدّدا.
قمة النوادي الليلية – فرع تل أبيب
توسّعت العلامة التجارية عام 2005، وافتتح مؤسسو الفرع في القدس فروعا أخرى في تل أبيب وحيفا. تم إغلاق فرع حيفا بعد مرور عام بسبب موقعه الإشكالي في قلب حيّ سكني.
ومع تأسيس النادي في تل أبيب توقع له النقاد الفشل. لقد ادعوا أن العلامة التجارية “هأومان 17” ستجد صعوبة في التوسع، وستضطر إلى الاختيار بين تل أبيب والقدس ولن تستطيع الاحتفاظ بكلا الناديين في نفس الوقت. ومع ذلك، فالفرع التل أبيبي نشط وناجح جدا حتى اليوم، ويعمل بشكل مماثل لفرع “هأومان” المقدسي الذي تأسس في سنوات التسعينيات.
التهرب من دفع الضرائب، الجنس والمخدّرات
إلى جانب التحديات التي واجهت افتتاح نواد في أماكن أخرى في البلاد، اضطر مالكو النادي إلى مواجهة جبهة أخرى: اتهامات بخصوص التهرّب من دفع الضرائب على نطاق ملايين. استمرت المحاكمة ثلاث سنوات، وفي شهر تموز عام 2005 تم إرسال الشركاء الخمسة لفترات سجن مختلفة بل ودفعوا غرامات مالية.
في نفس الفترة اضطر المالكون إلى مواجهة العنف في النوادي أيضًا. تصدّرت الظاهرة إلى العناوين بين عامي 2007-2008 ونفّرت الروّاد، رغم أنّه لم يُسجّل وجود أحداث عنف استثنائية أو طعنات في “هأومان”. مكّن التعاون مع الشرطة النادي من تقليص ظواهر العنف بنسبة تقارب 90%.
يعرف روّاد النادي التل أبيبي جيّدا الإثارة في حفلات العالم. ليست الكحول وحدها هي التي تتدفق بين الرواد وإنما أيضًا المخدّرات وتجار المخدّرات الأخفياء الذين يوفّرون المخدّرات لمن يدفع أكثر. داهمت الشرطة أكثر من مرة الشبان في النادي بل وفي بعض المرات حرصت على تفريق الحفلة بحجة الإمساك بمخدّرات خطرة مع عدد من الرواد.
قيل الكثير عن المشهد الجنسي. ليس غريبا على رواد النادي أن يخلعوا ملابسهم ويمارسوا الجنس في مراحيض النادي. وأكثر من مرة تعارف الشبان في النادي وعادوا إلى المنزل متشابكي الأيدي ليمضوا بعد ذلك ليلة مليئة بالفجور.
رغم المشهد الإشكالي، قلّة الرواد مقارنة بمدن أخرى في العالم والتاريخ المليء بالمصاعب؛ استطاع “هأومان” الحفاظ حتى اليوم – كما يبدو عكس كل التوقعات – على شعلة الترفيه في مدينة تشتعل. رغم أن العلامة التجارية “هأومان 17” ليست شائعة اليوم بين جميع الشباب، كما كان الأمر قبل عقد، يبدو أنّ الجمهور الوفيّ له غير مستعدّ للاحتفال في أي مكان آخر.