على بُعد 30 دقيقة إبحار من ميناء أشدود جنوبًا، نصل إلى واقع مختلف. فهناك في البحر، ليس بعيدًا عن القطاع الساحلي الضيق بين مدينة أشكلون (عسقلان) وشمال قطاع غزّة، تدور رحى حرب يومية – حرب يومية بين سلاح البحرية الإسرائيلي وناشطي حماس، مهربين، وصيادين يقطنون في القطاع. في حديث مع المقدَّم ب. (الاسم محفوظ لدى هيئة التحرير)، قائد الوحدة 916 من سلاح البحرية، يروي للمصدر عن “الصداع” الأكبر بالنسبة له ولجنوده، خُصوصًا إثر الخشية من جولة العنف القادمة بين إسرائيل وحماس، التي ستتم حسب رأيه في البحر – “تبني حماس قوة بحرية. لا ريب في ذلك. رأينا لمحة عمّا يمكنهم فعله في حادثة التسلّل إلى كيبوتس زيكيم (تموز 2014). حقول الغاز، محطة الطاقة، وخطّ أنبوب النفط في أشكلون هي أهداف بارزة ويسهل الوصول إليها، والحركة تزيد بشكلٍ ملحوظ من عدد مقاتلي الكوماندوز البحري الخاصّ بها. حين تُغلَق الأنفاق في الجانب المصري من الحدود، هذه طريقة أخرى للعبور إلى أراضي إسرائيل، ومَن يُفترَض أن يتجاوب مع هذه التهديدات هم أبناء 18 و19 عامًا، أولئك الجنود الذين يقودون السفن الحربية التابعة لسلاح البحرية”.
ماذا يحاولون أن يهرّبوا إلى داخل القطاع؟
“عبر البحر يحاولون تهريب كلّ شيء”، يوضح لنا المقدّم ب، ويتابع: “من السلاح والذخيرة حتى المخدرات، التبغ، وأيّ شيء يمكن الاتجار به في القطاع”. جزء كبير جدًّا من نشاط القوّات البحرية مؤسس على معلومات جُمعت بحرص من منظومات ذكية موضوعة على الجانب البحري. قوارب صغيرة وسريعة تعبر إلى سيناء، بين سُفن خفر السواحل المصري، تحمّل وسائل قتالية وتعود بسرعة إلى القطاع. “تحدينا هو ثلاثي الأبعاد. نعرف اليوم كيف نتجاوب مع التهديدات التي تصلنا من الجوّ، على سطح المياه، وتحت سطح المياه. مقدار الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية الحسّاسة في الجنوب كبير، ما يوجب على الجندي أن يكون دائمًا على أهبة الاستعداد. يسلب ذلك النوم من عيون الضبّاط هنا”.
مقاتِلو كتائب عز الدين القسام اليوم لا ينتظرون شحنات أسلحة من إيران. فهم يُنتجون كلّ شيء في المخارط العديدة المنتشرة في قطاع غزّة. يمكن تهريب أجزاء الذخيرة بسهولة فائقة في قوارب صغيرة وسريعة، غالبًا في زوارق صيد. هكذا مثلًا في اقتحام واحد، وُجد في قارب طنّ من موادّ إنتاج أجنحة لصواريخ قسّام.
https://www.youtube.com/watch?v=6gCWVdxKMhM
“تهديدنا هو إيذاؤنا من الشاطئ بصواريخ، إطلاق نار من الجو، وسُفن متفجرة. حاوَلوا في الماضي أن يُخفوا لنا ألغاما ويؤذونا بزوارق متفجرة”، يروي قائد الوحدة. لهذه الأسباب، ابتُدئ من أجل تقليص خطر المُقاتلين بتشغيل مركب دون راكب، يتمّ التحكم به عن بُعد، لكن في كلّ لحظة هناك خطر إطلاق النار باتجاه المقاتلين.
وماذا بالنسبة للصيادين الغزيين؟
“نحن موجودون دائمًا في احتكاك مع سكّان غزة. نحن بشر، ونفهم حاجة العائلات الغزية إلى إعالة. هناك مناطق صيد محددة ومُشار إليها جيّدًا، والصيادون يدركون ذلك. نرى أحيانًا استثناءات خارج الحدود المُشار إليها، وفي الأيام الهادئة نسمح بهذه الاستثناءات. لكنّ هناك خطرًا أيضًا من جهتنا. وكثيرًا ما يُضطر الجنود إلى مواجهة شغَب ورمي حديد وأغراض على القوّات. نعالج ذلك بحساسية قصوى ونحاول منع الاشتعال قدر الإمكان. في كثير من الأحيان نُصعِد الصيادين إلينا إلى متن السفن، نُطعمهم، نسقيهم، ونُعيدهم إلى قواربهم، على أمل ألّا تكون هناك مشاكل في المستقبل”.
رغم الحجم، المهامّ معقّدة
يقود “الذراع البحرية” – الاسم الرسمي للقوات – ضابط برتبة لواء. قائد سلاح البحرية الحالي هو اللواء إيلي شربيط.
وحدات العمليات في البحرية الإسرائيلية هي: سرية سفن الصواريخ (السرية 3)، سرب النحل، سرية الغواصات (السرية 7)، الكوماندوز البحري (السّريّة 13)، وحدة المهامّ تحت المياه، ووحدة سنفير (وحدة مسؤولة عن أمن الموانئ).
وفق تقديرات عام 2004، خدم في القوات البحرية 6500 جندي، بينهم 880 ضابطا. وضمّت وحدة الكوماندوز التابعة للبحرية نحو 300 جندي.
عدد المراكب القتالية في الأسطول الإسرائيلي هو نحو ثلث ما لدى القوات البحرية المصرية. وعلى نطاق العالم، يُعتبر الأسطول الإسرائيلي صغيرا جدًّا. فالتقديرات الحالية تُشير إلى أنّ 3% – 5% فقط من موازنة الأمن في إسرائيل مخصّص لسلاح البحرية.
هل يُتوقَّع النموّ إثر التهديدات الجديدة؟
“نعم. نُطلِع دائمًا القيادة السياسية على التهديدات التي تواجهها البحرية، ونفهم أنّ حماس تستثمر في السنوات الأخيرة الكثير من الجهود من أجل اكتساب معلومات وإجراء تدريبات على أعمال تخريب من البحر. من ناحيتي، هذا انتقال من تهديد الأنفاق البرية إلى تهديد “الأنفاق الزرقاء”، أي الأنفاق البحرية. هناك طلَب أن تتم زيادة الجزء المخصّص لسلاح البحرية في الموازنة، ونتوقع أن يكون حضور البحرية ملحوظًا أكثر خلال السنين القادمة، خُصوصًا لأننا ندرك أنّ حركة حماس معنية بتنفيذ عمليات بحرية ضدّ أهداف استراتيجية على ساحل إسرائيل وحقول الغاز”.
كسر احتكار سلاح الجوّ
في تموز 2013، نشرت صحيفة “صنداي تايمز” خبرا أثار الضجيج حول العالم. فوفق تقرير الصحيفة البريطانية، هاجمت إسرائيل مدينة اللاذقية السورية الساحلية لتدمير أسلحة كانت مُعَدّة للنقل إلى حزب الله. وخلافًا لغارات سابقة نفّذتها طائرات حربية في سلاح الجو، نُفّذ الهجوم السري هذه المرة من أعماق المياه – عبر صاروخ أُطلق من غواصة دولفين تابعة لسلاح البحرية الإسرائيلي.
هذا الهجوم، إضافة إلى قدرات باقي الأدوات التي يستخدمها سلاح البحرية، مؤشر على قدرات الجيش الإسرائيلي خارج نطاق الذراع الجوية. حتى إنّ هناك مَن يدّعي أن دولة إسرائيل تعرّض نفسها للخطر حين تضع كلّ بيضها في سلة واحدة. وهؤلاء، وعلى رأسهم ضبّاط سلاح البحرية، يعتقدون أنّ القوات البحرية قادرة على تنفيذ المهامّ عينها أو جزء منها على الأقلّ، حتى بمخاطرة أقل ونجاح أكبر. وعلى خلفية الصراع التقليدي حول موازنة الأمن، تُضحي هذه المقارنة عاصفة ومثيرة للاهتمام بشكل خاصّ.
إلى جانب التنوّع في القِطع البحرية (نحو 12 سفينة صواريخ و30 قطعة بحرية مختلفة) والذخيرة المتعددة الجوانب، هناك على السفن المتطورة للذراع البحرية أيضًا منظومات قتال واستخبارات إلكترونية سرية.
فضلًا عن كلّ ما سبق، تشغّل سرية الغواصات في الجيش الإسرائيلي اليوم غواصة “دولفين” (كلفة الغوّاصات الجديدة للجيش نحو 400 مليون يورو)، غواصة محرك الديزل التي تُعتبَر من الأكثر تقدّمًا في العالم. وضمن السرية تعمل 6 غوّاصات، 3 غوّاصات عمليات، غوّاصتان أخريان سبق أن تُسلّمتا، وواحدة تصل عام 2017. مثل سفن الصواريخ، الغوّاصات الجديدة أيضًا مجهّزة بذخيرة متعددة الجوانب تشمل قذائف نسف السفن، صواريخ بحر – بحر، ووفق تقارير أجنبية صواريخ بحر – أرض، ذات مدى يبلغ 1500 كم. ووفق بعض التقارير، هناك أيضًا قدرة على إطلاق صواريخ ذات رؤوس متفجرة نووية. تحمل غوّاصات دولفين أيضًا منظومات سرية للقتال الإلكتروني ولجمع المعلومات.
في مواجهة التحدّيات المتزايدة والمتغيرة في الشرق الأوسط، ينبغي على سلاح البحرية أن يتغير. وفي السنوات الأخيرة، مرّ سلاح البحرية بعملية تغيير ملحوظ، سواء من حيث أسلوب عمله أو من حيث أهميته داخل الجيش الإسرائيلي. فالبحرية التي اعتُبرت في ما مضى قسمًا هامشيًّا أضحت إحدى أهم أقسام الجيش: مهامّ سرية، جمع معلومات، ونشاطات في مناطق بعيدة عن الأراضي الإسرائيلية.