“يغآل عمير شاب ذكي وعاقل، وليس مجنونا وغبيا كما يعتقد الإسرائيليون”، يكتب الكاتب والإعلامي الإسرائيلي نتان أودنهايمر، في مقالة نقدية على موقع إسرائيلي يدعى “سيحا مكوميت” (حديث محلي)، متحديا التابو الإسرائيلي حول قاتل رئيس الحكومة الأسبق، اسحاق رابين، عام 1995، طارحا سؤالا صعبا أمام الإسرائيليين: لماذا نخاف من يغآل عمير؟
كيف سنعرف دوافع القاتل إن لم نتكلم معه؟ يسأل الكاتب. من المعروف أن التعرف على دوافع القاتل قد تمنع الجريمة القادمة وقد تكشف ظاهرة أوسع في المجتمع الإسرائيلي. لكن من ناحية الإعلام الإسرائيلي، الحديث مع عمير مثله مثل إعطائه المنبر لنشر فكره السياسي المعطوب. من الأفضل إسكاته وإخفاؤه عن الجمهور. لكن الثمن هو غض النظر عن ظاهرة أوسع.
كان الجمهور الإسرائيلي يفضل أن لا يخلق فيه شخص اسمه يغآل عمير. كان يفضل أن يتم إحباط العملية التي أقدم عليها وقلته على الفور. لكن للأسف، عمير فعل فعلته ولم يخدش، واستطاع الزواج في سجنه وإنجاب طفل. واليوم هنالك صفحة فيسبوك تنادي إلى إطلاق سراحه، وإسرائيليون يعربون عن دعمهم لفعلته. لكن هذا لا يدق ناقوس الخطر بالنسبة للتغيّرات التي تمر على المتجمع الإسرائيلي، والنخبة الأشكنازية اليسارية تفضل غض النظر عنها.
معاملة يغآل عمير بأنه إنسان قذر من قبل مصلحة السجون الإسرائيلية ومحققي الشاباك لم يكن لها مبرر قانوني أودنهايمر، فالجميع أراد بموته. فعلى سبيل المثال قوبل طلبه بالزواج من ناشطة يمينية تدعى لاريسا تريمبوبل برفض تام من المؤسسات الإسرائيلية، مع أن القانون يجير له بذلك.
فقام الاثنان بالزواج عن طريق مبعوث. كان المبعوث والد عمير الذي أحضر خاتم الزواج لعمير في السجن، ومن ثم أوصله للاريسا. وجرّ هذا غضب المؤسسات الإسرائيلية والسياسيين الإسرائيليين. فتم منعهم عن الالتقاء. لكن المحكمة الإسرائيلية أجازت لهم إجراء تخصيب صناعي.
وفي هذه النقطة، انشغل الإعلام الإسرائيلي بالحياة الجنسية لعمير ولاريسا فقد وصفت زوجة عمير على أنها صاحبة شهوة جنسية مفرطة، مستعدة على مضاجعة أي شخص، حتى قاتل نذل مثل يغآل عمير. وحسب تفسير كاتب المقال، تنبع هذه المعاملة الشاذة ضد عمير وزوجته من مشاعر انتقام من الشخص الذي فرض منظوره السياسي على إسرائيل.
أما معارضة الشاباك لإنجابهم طفلا فسببها هو أن هذا يشكل خطرا على الجمهور الإسرائيلي. فهل هذا التضييق غير المنطقي سببه التغطية على قصور الشاباك في حماية رابين يسأل الكاتب الإسرائيلي.
“عدم مواجهة الحقيقة أن عمير حي ومتزوج وله نسل وعنده معجبون كثيرون هي خطأ كبير. المجتمع الإسرائيلي يفضل إنكار الحقيقة بدل التعامل معها بالجدية اللازمة لكي يفهم جذور تطرف عمير وأمثاله في إسرائيل” يكتب أودنهايمر.
أما عن الأسباب وراء فعلة عمير ودوافعه لقتل رابين، فيذكر الكاتب باقتضاب الصراع الطائفي في إسرائيل بين اليهود الأوروبيين (أشكناز) واليهود الشرقيين. فرابين ينتمي إلى الفئة الأولى وعمير إلى الثانية، فهو من أصول يمنية. فقد نشأ عمير في بيت عانى من التمييز والإهانة لكونها شرقية و”متأخرة” حسب النخبة الأشكنازية المهيمنة. كذلك، من ناحية عمير، قتل رابين كان تضحية من أجل إنقاذ إسرائيل. فهو كان متأثرا من قصة القربان الذي قدمه إبراهيم لله.
إلا أن الإسرائيليين فضلوا محو شخصية عمير من عالمهم وعدم محاولة فهم ما حركه لفعل ذلك، فوجوده يشكل خطر على وجودهم. لكن الخطر الحقيقي وجود عمير آخر في المجتمع الإسرائيلي وبدل الوصول إليه يبقى تجاهل الظاهرة الخيار الأكثر مريحا.
ويخلص أودنهايمر إلى القول إن القناعة الإسرائيلية بأن عمير قتل الديموقراطية ودمر عملية السلام ما زالت راسخة، لكنها مغلوطة حسبه، فطريقة التعامل مع قاتل رابين تدل أكثر على الديموقراطية الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي أكثر من على صفات عمير.
يجب على الديموقراطية القوية أن تواجه القتلة وتدرس دوافعهم وإلا فهي ضعيفة. والسلام لم يمت لأن عمير قتله، فقد مات لأن المجتمع الإسرائيلي والفلسطيني لم يقدروا على إنجازه بعد.