إن مماطلة المفاوضات حول الشأن النووي مع إيران هي فشل آخر للسياسة الخارجية لأوباما وكيري. بعد سلسلة من خيبات الأمل لسياسة أوباما الخارجية في كل ما يتعلق بأعمال العنف الروسي، استقواء تنظيم الدولة الإسلامية، الموقف المتذبذب تجاه قضية الانقلاب في مصر، وعدم القدرة على التوصل لتحسن في عملية السلام الإسرائيلي-الفلسطيني، تأمل كيري أن يكون باستطاعته أن يقدم للعالم اتفاقية من شأنها أن توقف الخطة النووية لإيران، وتلغي العقوبة الاقتصادية الواقعة عليها، وتفتح اقتصادها أمام الأسواق الغربية.
ولكن البارحة تبيّن أن الفجوات بين الجانبين ما زالت كبيرة وتمنع حدوث مثل هذه الاتفاقية. وتم تمديد الاتفاقية المرحلية لنصف سنة أخرى، ما يجعل العقوبات الاقتصادية الواقعة على إيران على ما هي عليه. أهارون ميلر، الذي كان مستشارا لوزراء الخارجية الأمريكية منذ سنوات السبعينيات للقرن العشرين، أوضح في مقالة كتبها في مجلة “فورين بوليسي” أهم الأمور التي جعلت الولايات المتحدة تفشل للوصول إلى اتفاقية.
اعتقد كيري وأوباما أن وضع إيران الحالي يسمح بإجراء اتفاقية تاريخية تُوقف المشروع النووي الإيراني، واعتقدا أن قادة إيران معنيون بالتوقيع على اتفاقية كهذه
بحسب أقوال ميلر، كان يؤمن كيري وأوباما بأربعة أمور باطلة جعلتهما يعتقدان أن اتفاقية من هذا النوع قابلة للحصول على أرض الواقع. باختصار، اعتقد الاثنان أن وضع إيران الحالي يسمح بإجراء اتفاقية تاريخية تُوقف المشروع النووي الإيراني، واعتقدا أن قادة إيران معنيون بالتوقيع على اتفاقية كهذه، وأن لديهما الحق والسلطة في فرض هذه الاتفاقية. يقول ميلر إن هذه الافتراضات التي افترضها قادة أمريكا قادتهم إلى الفشل.
طالما أن السلطة مرهونة بيد خمينئي، ليست هناك قيمة لمدى اعتدال روحاني وظريف
أولا، يشرح ميلر أن حسن الظن الأمريكي برئيس إيران، حسن روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف كان مبالغا ومفرطا. صحيح أن الاثنين هما شخصان معتدلان، يقول ميلر، ولكن يجب ألا نستنتج من ذلك أن لهما القوة والسلطة لعمل اتفاقية تقضي بوقف المشروع النووي الإيراني. فإن كامل السلطة والقوة الإيرانية، كما هو متوقع في مثل هذه الدولة الاستبدادية، تقع في يد القائد الروحي علي خمينئي. وطالما أن السلطة مرهونة بيد خمينئي، ليست هناك قيمة لمدى اعتدال روحاني وظريف.
ثانيا، اعتقد أوباما وكيري اعتقادا خاطئا أن إيران متلهفة للوصول إلى اتفاقية، وأن العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها تخنقها كثيرا. “بالتأكيد”، يقول ميلر، “ولكن إلى أي مدى تحتاج إيران اتفاقية من هذا النوع”. يقول إن “إيران أبدت قدرة عالية جدا لمواجهة الضغط الاقتصادي والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. هذه المفاوضات صحيح أنها أتت بإيران إلى طاولة المفاوضات، ولكن هذا لا يفيد أن العقوبات ستُلزمها إلى التوقيع على الاتفاقية”.
بحسب أٌقواله، أدت التجارة مع الصين وروسيا إلى تحسن نسبي في الاقتصاد الإيراني، ولذلك فالافتراض الأمريكي بأن الوضع الاقتصادي الصعب سيدفع بالإيرانيين للتوقيع على الاتفاقية هو افتراض خاطئ.
ميلر: “الحقيقة هي أن إيران تعلم ما تريد بالضبط: أن تدخر ما تستطيع من قدرتها لتطوير السلاح النووي، وأن تحرر نفسها من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها قدر الإمكان”
ثالثا، يعتقد ميلر أن الأمريكيين بالغوا في تصديق المقولة القائلة “المصالح أهم من الشرف الذاتي”. قد يكون ذلك صحيحا، يقول ميلر، ولكنه يذكّرنا أن خمينئي دائما كان يذكر موضوع الشرف والفخر الإيراني عندما كان يتحدث عن المشروع النووي. حتى الآن، أبعدت مبادئ خمينئي وقيمه المتعلقة بالشرف الذاتي والفخر، إلى جانب إيمانه القوي بالعقيدة الشيعية، المصالح المادية للاقتصاد الإيراني.
وفي النهاية يقول ميلر أخطأ أوباما وكيري عندما اعتقدا أن بمقدورهما إيجاد أرضية مشتركة مع الإيرانيين، للوصول إلى حل وسط فيما يخص المصالح الإيرانية والمصالح الأمريكية. لم يقدّرا جيدا تمسّك الإيرانيين بأهدافهم، وعدم استعدادهم للتنازل.
يشرح ميلر: “الحقيقة هي أن إيران تعلم ما تريد بالضبط: أن تدخر ما تستطيع من قدرتها لتطوير السلاح النووي، وأن تحرر نفسها من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها قدر الإمكان”. ويُجمل ميلر قائلا إنّ “هذا هو السبب الذي يجعلها غير قادرة بعد على التنازل والوصول إلى حل وسط للتوقيع على الاتفاقية”. بحسب أقواله، لن يتم التوصل إلى حل حتى بعد التمديد لستة أشهر أخرى.