بدأت أمور غريبة تحدث في الشرق الأوسط منذ إعلان قيام الدولة الإسلامية (داعش). لا ينشط تنظيم داعش ضد الدول الشيعية في العراق وسوريا فقط بل أيضًا ضد النظام الإيراني، الأنظمة السنية في دول الخليج العربي، الولايات المتحدة والدول الغربية وضد تنظيم القاعدة وفروعه. باختصار، تنظيم داعش يُحارب ضد الجميع. لا حلفاء له.
نجح التنظيم، لغاية الآن، بخلق ظاهرة استثنائية: وجدت دول، كيانات وأنظمة كانت تعادي بعضها عادة، نفسها تخوض حربًا مشتركة ضد عدو مُشترك. حظينا برؤية مشهد غريب من التعاون (أو على الأقل مصالح مشتركة) بين الولايات المتحدة وإيران، بين السعودية وإيران، وبين السعودية والنظام الشيعي في العراق وحتى بين نظام بشار الأسد في سوريا وبين من أقسموا على إسقاطه – السعودية، تركيا، قطر، الولايات المتحدة ومجموعات إسلامية مُتطرفة أُخرى. جميعهم موجودون في خندق محاربة داعش ذاته.
لذا فإن ظهور داعش قد تكون له آثاراً إيجابية على الشرق الأوسط، المنطقة التي تتميز بعلاقات عدائية جدًا بين الدول. نشر رانجيت جوبتا، وهو مسؤول سابق في مجلس الشؤون الأمنية في الهند وخبير بقضايا الشرق الأوسط، مؤخرًا مقالة في مجلة أوروبا – آسيا، ذكر فيها سبع خصائص إيجابية تسبب بها ظهور داعش:
1. ظهرت، بعد سقوط النظام العراقي السابق برئاسة صدام حسين، خلافات طائفية وعرقية في العراق، بشكل غير مسبوق. حكمت الطائفة السنية العراق لسنوات طويلة، إنما منذ عام 2003 لم يتم تحييدهم إلى الهامش فقط، بل تم إهمالهم بشكل مقصود. لذا كانت مشاركة الشيعة، السنة والأكراد في القتال المشترك ضد داعش بمثابة شيء مُشجع جدًا بالنسبة للعراق، الأمر الذي قد يكون علاجًا جيدًا للدولة الممزقة. هذا الوضع يُبشر بالخير فيما يتعلق بوضع العراق الذي كان قد أصبح تقسيمها لثلاث دويلات – شيعية، سنية وكردية – أمرُ لا يمكن تفاديه.
2. ربما شعور “الوحدة” هذا من شأنه، أخيرًا، أن يقنع الجهات المتنازعة في المنطقة – إيران والسعودية – وحليفاتهما بالعمل معًا لتحقيق المصالح المُشتركة التي تتمثل بالقضاء على الإسلام المُتطرف والفجوات الطائفية.
3. من شأن هذا الواقع الجديد، بنهاية الأمر، أن يرفع وعي المسلم المُعتدل، إن كان سنيًا أو شيعيًا، بتخليه عن دعم الإسلام المتطرف، وجعله يُدرك بأن هذه الأيديولوجيات خطيرة جدًا على كل المسلمين.
4. كلما تقدمت الحرب ضد داعش بشكل جيد، قد يدفع الأمر باتجاه إمكانية حقيقية لإيجاد حل سياسي، من خلال المفاوضات، للحرب الأهلية في سوريا. من الصعب التفكير بأن مثل هذا الحل قد يتم لولا الحرب الدولية ضد داعش.
5. الصراع الشديد بين داعش والقاعدة على السيطرة على الجهاد العالمي دفع نحو حرب جهادية داخلية وهذا الأمر قد يتعاظم أكثر في أرجاء الشرق الأوسط. هذا الصراع من شأنه إضعاف التنظيمات المُتطرفة بشكل كبير.
6. إن إحدى النتائج التي تترتب عن خروج الربيع العربي عن مساره هي الجهود الكبيرة التي بُذلت لتوحيد دول الخليج، وخاصةً بعد أن اتخذت قطر موقفًا مختلفًا جدًا مقارنة مع بقية الدول فيما يخص العلاقة مع التنظيمات الإسلامية. نجح المؤتمر الذي عُقد مؤخرًا في قطر، على ما يبدو، بالتغلب على هذه المشاكل عندما أدركت قطر أنه يمكنها أن تكون هي أيضًا هدفًا لتنظيم داعش.
7. من شأن وجود داعش أن يجعل الأنظمة العربية، والدول الغربية الحليفة لها، تُدرك بأن استخدام الدين لتحقيق مكاسب جيوسياسية قصيرة المدى من شأنه أن يخلق “وحش فرانكشتاين” والذي من شأنه أن يلتهم مُختلقيه. الحقيقة هي أن قادة العالم العربي قد عاشوا لفترة طويلة وهم يُنكرون مسؤوليتهم تجاه مشاكلهم. هم يميلون عادة لاتهام العالم الخارجي، ولكن في الحقيقة، في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كان عدد المسلمين الذين قُتلوا على أيدي مُسلمين آخرين أكبر من عدد الذين قُتلوا منهم على أيدي كل الجهات الأُخرى مُجتمعة. إضافة إلى ذلك، تسع من بين الدول العشر الأخطر في العالم هي دول مُسلمة، وست دول من تلك الدول هي عربية.
تُشير هذه النتائج المُحتملة إلى فرصة يمكن أن يوفرها ظهور داعش للدول العربية.
نشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع ميدل نيوز.