لم يكن متوقعاً أن تتدخل المملكة العربية السعودية عسكرياً في اليمن بهذه السرعة. فاستطاعت أن تحشد تحالفا يتكون من عشر دول (قطر٬ الإمارات٬ البحرين، الكويت٬ الاردن٬ مصر٬ المغرب٬ السودان٬ وباكستان) وكان التدخل العسكري مفاجئاً؛ حيث لم يسبق وأن شنّت المملكة السعودية حرباً في تاريخها الحديث. إذن، ما الذي تغير ودفع المملكة العربية السعودية إلى تشكيل تحالف عسكري لشن حرباً مفتوحة على كل الاحتمالات في بلد فقير مثل اليمن؟
أعلنت قيادة قوات التحالف العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية أن أهداف الضربات الجوية تتمثل في الحفاظ على شرعية الرئيس المنتخب، عبدربه منصور هادي، وحماية الشعب اليمني من المليشيات الحوثية والقوات الموالية للرئيس السابق، علي عبدالله صالح٬ وأن الضربات لا تستهدف البنية التحتية اليمنية أو الشعب اليمني، وإنما ستكون ضربات مركزة تستهدف القدرات العسكرية للمليشيات الحوثية وقوات صالح. وصرح مسؤولون سياسيون في السعودية والخليج أن الضربات الجوية أتت بعد استنفاذ كل النداءات والدعوات التي وجهت إلى الحوثيين من أجل التفاوض مع حكومة هادي والابتعاد عن فرض سياسة الأمر الواقع باستخدام القوة العسكرية.
اجتمع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي مرتين خلال شهر فبراير لتدارس الموقف بعد أن تيقّنوا بأن الحوثيين وحليفهم، الرئيس المخلوع صالح، يعدّون العدة لاقتحام الجنوب حيث كان يتواجد هادي. وفي 21 مارس 2015 بعث هادي برسالة إلى قادة دول مجلس التعاون الخليجي يطلب فيها التدخل العسكري المباشر ضد مليشيات الحوثي، وذلك بموجب معاهدة الدفاع المشترك المنصوص عليها في ميثاق جامعة الدول العربية.
كان الحوثيون وحليفهم الجديد صالح قد سيطروا على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014، وأطاحوا بحكومة الوفاق الوطني، وبعد ذلك أطاحوا بحكومة الكفاءات الوطنية التي شكلت بعد دخولهم صنعاء بناء على اتفاق السلم والشركة الذين كانا طرفاً فيه وهم من صاغ بنوده. ومن ثم قاموا بوضع هادي وأعضاء حكومته تحت الإقامة الجبرية وإجبارهم على الاستقالة في 22 يناير 2015. واستمر الحوثيون في السيطرة على مقدرات الدولة العسكرية والمدنية، وواصلوا زحفهم المسلح للسيطرة وإخضاع باقي المناطق. استطاع هادي أن يفلت من قبضة الحوثيين وذلك بالهروب متخفياً إلى عدن في 21 فبراير 2015، وأعلن من هناك تراجعه عن الاستقالة واعتبر أن ما قام به الحوثيون يعد انقلابا مكتمل الأركان وأن كل القرارات، التي اتخذت بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، باطلة.
من جانبهم، أعلن الحوثيون أن هادي فاقداً للشرعية ومطلوباً للعدالة٬ وقاموا بصياغة ما أسموه بالإعلان الدستوري الذي بموجبه سيتم تشكيل مجلس وطني لإدارة البلاد، ومجلس أعلى للجان الشعبية، من أجل حفظ الأمن، يترأسه محمد علي الحوثي.
تسارع الأحداث والسباق على الزمن الذي أنتهجه الحوثيون وصالح لفرض الأمر الواقع بالقوة العسكرية، نتج عنه تعطل الحوار السياسي الذي كان يسيّره مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، السيد جمال بن عمر. وكان بن عمر قد أعلن في تقاريره، التي قدمت في شهر مارس، عن تعنّت الحوثيون وعدم اكتراثهم بقرارات مجلس الأمن الدولي السابقة التي دعتهم إلى نبذ العنف والعودة إلى طاولت الحوار.
يخطئ من يعتقد أن الهدف الوحيد للحملة العسكرية لقوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية هو فقط حماية الشعب اليمني والحفاظ على الشرعية الدستورية للرئيس هادي. فلم يعد خافيا على أحد تحالف الإيرانيين مع الحركة الحوثية، والذي يرى فيه البعض أكثر من مجرد تحالف، حيث يجزم الكثيرون أن إيران هي من أوجدت الحوثيين ودربتهم منذ تسعينيات القرن المنصرم. الحوثيون لم يخفوا عدائهم للملكة العربية السعودية وكذا لم ينكروا الدعم الإيراني لهم، بل أنهم يتفاخرون بأنهم حلفاء لإيران — التي يصفونها بقائدة الممانعة في وجه الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. في اليوم التالي لخروج الرئيس هادي إلى عدن، توجه وفد من الحوثيين إلى طهران وأعلنوا عن عقد اتفاقيات في مجالات تعاون عديدة٬ وكنتيجة بدأ الطيران الإيراني بتسيير رحلتين إلى صنعاء في الأسبوع الواحد. كما استقبل الحوثيون سفينة أسلحة من إيران عبر ميناء الحديدة٬ بالإضافة إلى المناورات العسكرية التي قام بها الحوثيون من على الحدود السعودية والتي اعتبرت استفزازاً غير مبرر٬ في الوقت الذي رفع فيه الإعلام التابع للحوثيين من حدة الهجوم على المملكة العربية السعودية.
يتهم الحوثيون المملكة العربية السعودية بأنها تتدخل في شؤون اليمن بشكل هدام وبما لا يخدم مصالح الشعب، حيث رفضوا المبادرة الخليجية التي تبنتها السعودية في العام ٢٠١١ لإخراج الرئيس السابق من السلطة، بحجة أنها منحت الحصانة لصالح. ومن المفارقات أن الحوثيين اليوم يتحالفون مع صالح ضد هادي ودول مجلس التعاون الخليجي. وكذا تُتّهم السعودية بأنها تمول القبائل والقاعدة ومراكز القوى، التي يصفها الحوثيون بالفاسدة، وبأنها أيضاً موّلت الحروب التي قادها صالح ضدهم منذ العام ٢٠٠٤ وحتى العام ٢٠١٠.
الحفاظ على شرعية الرئيس هادي والدفاع عن الشعب اليمني كانت من العوامل التي دفعت إلى التدخل في اليمن، لكن التهديد الذي يشكله الحوثيون للأمن القومي للمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، والمنطقة العربية بشكل عام، كان ذات أهمية قصوى. ففي ظل نفودها الغير مسبوق في العراق، لا يمكن السماح لإيران بالسيطرة على شبه الجزيرة العربية وإعاقة التقدم الذي شهده اليمن في السنوات الأخيرة. وهذا هو بالضبط ما يمكن أن يفعله الحوثيون، الذين يمثلون أقلية في اليمن، لو كان الأمر بيدهم.
نشر هذا المقال لأول مرة على موقع منتدى فكرة