أثناء جلسة تطرقت إلى استخدام المنظمات الإرهابية لمواقع التواصل الاجتماعي والتي تمت خلال هذا الأسبوع ضمن المؤتمر السنوي لمركز أبحاث السياسة ضد الإرهاب (ICT) التابع للمركز متعدد التخصصات في هرتسليا، وصف المتحدثون الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بصفتها منصة للإرهاب والعمليات الإرهابية في إسرائيل، باريس، الولايات المتحدة، والعالم بشكل عام.
قال أحد المتحدثين إنه عندما بدأت المنظمات الإرهابية العمل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة أصبحت تشكل تهديدا عالميا بدلا من أن تشكل تهديدا محليا. صرح متحدث آخر قائلا إن الإنترنت قد ساهم في تقليص الخطوات الضرورية للتخطيط لتنفيذ العمليات الإرهابية بشكل كبير. أشار متحدث آخر في الجلسة إلى الارتفاع الكبير الذي طرأ على عدد مواقع الإنترنت التابعة للمنظمات الإرهابية: وصل عدد المواقع من 12 موقعا عام 1998 إلى أكثر من ألفين خلال السنوات الأخيرة. بهدف مواجهة هذا الخطر الكبير الذي يعمل دون أي رادع اتفق المتحدثون على أن الشركات التكنولوجية المسؤولة عن مواقع التواصل الاجتماعي – ولا سيما فيس بوك في إسرائيل تحديدا- يجب أن تبذل مجهودا أكبر لمحاربة المضامين التحريضية والمُشجعة على الإرهاب في مواقعها.

يستخدم العديد من المنضمات الإرهابية مواقع التواصل الاجتماعي استخداما واسعا ويكشف الإمكانية الهائلة الكامنة في مشاركة المحتويات ونشر المعلومات بسهولة غير مسبوقة. برز هذا الاستخدام بشكل كبير من قبل تنظيم داعش الذي لا يتوانى عن استخدام أية منصة ممكنة لنشر أفكاره حيث قام في الماضي بتفعيل عشرات آلاف الحسابات على موقع تويتر. لكن هذه الاتهامات المتكررة التي تشير إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي تشكل مصدرا لكل العمليات الإرهابية وهي اتهامات مرغوبة على قلوب السياسيين وكبار رجال الأمن الإسرائيليين تُضيّع عدة نقاط مهمة.
النقطة الأهم هي أن الإرهاب – كذلك أية ظاهرة سياسية أو إرهابية أخرى – لا يبدأ بحديث في الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. لقد بدأ الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني قبل إنشاء فيس بوك عام 2004 بوقت طويل، وانطلقت كل من الانتفاضة الأولى والثانية واستمرتا دون أية علاقة بتطبيق إلكتروني أيا كان. وبشكل مشابه، تأسس تنظيم داعش – الذي يُعتبر دون شك تنظيما أنشأ نمطا حديثا متطورا، ومهنيا من خلال استخدام مواقع التواصل الاجتماعي- في العراق عام 2004 وجذب إليه مقاتلين أجانب، وسيطر على مناطق في سوريا والعراق قبل أن يصبح ظاهرة إلكترونية بوقت طويل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة استخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لا تُوحّد المنظمات الإرهابية أبدا. في عام 1998، لم تملك المنظمات (ناهيك عن الأشخاص) مواقع إنترنت خاصة، أما خلال السنوات الأخيرة، فقد بدأ كل تنظيم تجاري وغيره باختراق هذا المجال المحوسب. تأطير استخدام مواقع التواصل الاجتماعي على أنه ظاهرة مقتصرة على المنظمات الإرهابية ليس صحيحا من الناحية العملية ويجعلنا نعتقد أننا نتحدث عن مجال مخترق وخطير تسيطر عليه أعلام داعش السوداء. فإن استخدام هذه المواقع ليس محصورا على المنظمات الإرهابية: إذ يستخدمها الجميع وكذلك المنظمات الإرهابية (النشطاء الأفراد).

منذ اندلاع موجة العنف الفلسطينية الأخيرة في شهر تشرين الأول الماضي، طالب سياسيون إسرائيليون كثر شركة فيس بوك وشركات أخرى بتحمّل مسؤولية ما يحدث في مواقعها ومواجهة المحتويات الإشكالية. ما زالت هذه الأصوات تتردد رغم تراجع أعمال العنف بشكل كبير ويبدو أن بعض السياسيين يعتبرون مارك زوكربيرغ، مدير فيس بوك، مسؤولا عن أعمال العنف الأخيرة.
لكن هذه الاتهامات الشعبية تتجاهل صراع شركات التكنولوجيا ضد المضامين الإرهابية والتحريضية ومن ردها على الانتقادات الموجهة ضدها. أعلنت تويتر في شباط هذا العام أنه منذ منتصف 2015 حتى بداية 2016 جمّدت 125 ألف حساب خاص بداعش ومنظمات إرهابية أخرى بينها حساب تويتر الخاص بالجناح العسكري لحماس مما أثار حفيظة التنظيم. اعترفت وزيرة العدل، أييلت شاكيد، بالأمس، أن فيس بوك أزالت 95% من المحتويات المتعلقة بالإرهاب استجابة لطلب السلطات الإسرائيلية. وأضافت الوزيرة أن موقع يوتيوب الذي تديره شركة جوجل أزال 80% من الفيديوهات استجابة لطلب السلطات الإسرائيلية أيضا.
كما حدث في محاولة الانقلاب الأخيرة في تركيا حيث تم توجيه أصابع الاتهام إلى مواقع التواصل الاجتماعي بالتسبب بما حدث، فمن الجدير بالذكر أن مواقع التواصل الاجتماعي لا تبدأ انقلابا ولا توقفه. يقوم بنو البشر بذلك، وذلك بسبب ضائقات، مصالح اقتصادية، اجتماعية، سياسية، حقيقية في أرض الواقع. إن إلقاء اللوم على مواقع التواصل الاجتماعي بما يتعلق بالإرهاب يعبّر عن رسالة واضحة وقابلة للاستيعاب، لكنه يتجاهل الواقع في الحالة الإسرائيلية – الفلسطينية، في حالة داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى. ولكن فيما يتعلق بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني وتصاعد شعبية داعش في الشرق الأوسط، ليست هناك رغبة دائما في معالجة الموضوع، وإن كانت رغبة كهذه فهي صعبة المنال. أما اتهام مواقع التواصل الاجتماعي فهو سهل ويسير.
نُشرت هذه المقالة لأول مرة على موقع منتدى التفكير الإقليمي