سنتذكر خطاب الرئيس الفلسطيني، أبو مازن، أمس الاثنين، أمام اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي دام “ساعتين ونصف وكان درسا في التاريخ”، كما وصفه أحد المشاركين في المؤتمر، بفضل جملة “يخرب بيتك” التي وجهها الرئيس الفلسطيني لرئيس الولايات المتحدة “يخرب بيتك”- وهي جملة تعكس قمة الوقاحة والاحتقار من جهة رئيس شعب صغير وضعيف ومنقسم، ويحتاج إلى دعم كثير من القوة العظمى في العالم، بغض النظر عن رأينا فيها.
ولم يكف عباس بمهاجمة الرئيس الأمريكي، بل انتقد العرب عندما قال لهم، بشكل لاذع، أنه يُحظر عليهم التدخل في القضية الفلسطينية (“اتركونا وشأننا”)، وكان يقصد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، المقرّب من حكومة ترامب والرئيس المصري، السيسي. كما وانتقد حماس، والبريطانيين بسبب وعد بلفور، وبالطبع الصهيونية على مر العصور. هناك حاجة إلى الكثير من الموهبة للاختلاف في إطار خطاب واحد مع نيكي هايلي ومحمود الزهار.
للإجمال يمكن القول إنه يتضح من الخطاب أن: الكل مذنب. الشعب الفلسطيني محاط بالأعداء الداخليين والخارجيين. حدث هذا في الماضي ويحدث الآن أيضا. كان ينقص هذا الخطاب أمر واحد وهو: النظر إلى الداخل، وطرح السؤال إن كان الفلسطينيون قد قاموا بخطوات غير صحيحة على مر السنوات أو حتى في السنة الماضية منذ أن أصبح ترامب رئيسا؟ بالطبع، ليس هناك ما يمكن قوله حول النقد الذاتي فيما يتعلق بأداء الرئيس الفلسطيني والخطوات التي أدت إلى أن يتعرض شعبه للوضع الحالي.
يمثل الخطاب ذروة عملية يمكن تسميتها بعملية فطم طويل وعسير للفلسطينيين من تصدر مركز جذب الاهتمام العالميّ. فمنذ الربيع العربي (الذي يصفه عباس بالمؤامرة الأمريكية)، وأكثر من ذلك، منذ بدء الحرب الأهلية في سوريا، أصبحت تحتل القضية الفلسطينية المكان المناسب في جدول الأعمال الدولي وباتت تشهد اهتماما أقل مع مرور الوقت. يصعب على الفلسطينيين التخلص من جذب الاهتمام والتأقلم مع التغييرات. النقطة الأصعب هي تخلي العرب بالتأكيد. لم تتخلَ الأنظمة العربية عن الشأن الفلسطيني فحسب، بل الرأي العام العربي، وأصبحت القضية الفلسطينية بعد أن حظيت بإجماع وأولية في جدول الأعمال، في كل دولة تقريبا قضية، مهمشة ومثيرة للجدل أحيانا.
يجدر قول الحقيقة، فقد بدا خطاب أبو مازن خطابا لزعيم خسر كل شيء. لقد أدرك أنه بقي وحده، بعد أن خسر الدعم الأمريكي، ودعم الدول العربيّة، والأهم أنه خسر دعم شعبه، الذي تضاءل منذ سنوات بعد منع تقديم المساعدة لأبناء شعبه اليائس في غزة.
إن الدعم الوحيد الذي يحظى به أبو مازن هو لحسن الحظ الأهم أيضا – دعم الجهة التي تسمح في الواقع باستمرار سيطرته على الأراضي وهي المنظومة الأمنية الإسرائيلية. ثمة مصدر دعم آخر وهو الأوروبيون، ولكنهم باتوا متعبين أيضا من الوضع الذي لا يتقدم ومن التحديات الكبرى الأخرى في الشرق الأوسط، وأهمها اللاجئون السوريون، بطبيعة الحال.
في اليوم التالي للخطاب المحرج بشكل كبير، بات ينتظر الجميع الإجابة عن السؤال: ماذا سيحدث الآن؟ هل سيستجيب رئيس السلطة الفلسطينية للنداءات لتفكيك السلطة الفلسطينية؟ هل سيتخذ خطوات عملية ليست رمزية فحسب؟ هل سيتخذ خطوات قد تشكل خطرا على مستقبله، سلامته، ومستقبل كل المقربين من السلطة؟ في حال لم يحدث ذلك، علينا أن نعيش مع درس تاريخي طويل مليء بالأخطاء. كل هذا كلام فاضي.