مدعومة بمبدأ النسبية التي ينص عليه قانون الانتخابات الفلسطيني، وبحالة الاشمئزاز العارمة في الشارع الفلسطيني من الاستقطاب والانقسام (الفتحاوي الحمساوي)، تتوجّه قائمة اليسار الفلسطيني إلى انتخابات البلدية المزمع عقدها في تشرين الأول/ أكتوبر القادم، متأملة أنه بإمكانها أن تحرز هذه المرة ما لم تحرِزه في انتخابات البلديات السابقة عام 2005 وفي انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006.
فقد أعلنت خمس فصائل فلسطينية تنتمي إلى اليسار الفلسطيني وهي: الجبهتان الشعبية، والديمقراطية لتحرير فلسطين، حزب الشعب، حركة المبادرة الوطنية وحزب فِدا، نيتها خوض الانتخابات المحلية بقوائم مشتركة تتحالف فيها مع مستقلين ومندوبي نقابات، وفي بعض المناطق تحالف يضم بعض العائلات الفلسطينية.
لكن هذا التحالف الذي كان ضروريًا من ناحية هذه الفصائل إذا ما تم تحليل نتائج الماضي لن يسعف على ما يبدو هذه الفصائل، رغم حالة الاشمئزاز العامة من الاستقطاب الفلسطيني. فالتناقض الفلسطيني يشير إلى أن هذا الاستقطاب والانقسام يولدان مزيدً من التمترس الثنائي القطب في السياسة الفلسطينية، وقد ينعكس في بعض الأحيان بارتفاع في نسبة الممتنعين الذين يفضلون عدم الذهاب لصناديق الاقتراع من أن يقوموا بالإدلاء بأصواتهم لطرف ثالث.
في هذا السياق، يشير مسؤول فلسطيني انتمى في الماضي إلى اليسار الفلسطيني إلى أن حتى تحالف “الطريق الثالثة” الذي تزعَمهُ الدكتور سلام فياض، والذي تمتع بدعم كبير من بعض النخب في الشارع الفلسطيني، وتحديدا النخب الإعلامية، لم يُترجم الى أصوات في صناديق الاقتراع في انتخابات التشريعي السابقة، لتنحسر المنافسة ويتم تقسيم كعكة الأصوات بين حركتي حماس وفتح.
وأشار هذا المسؤول إلى أن اليسار الفلسطيني فقَد فُرصتهُ التاريخية بطرح نفسه كبديل لحركتي فتح وحماس، عندما اتخذ قرارًا بعدم الدخول في مواجهة سياسية مع كلا الحركتين الكبيرتين عندما انفجرت الأوضاع، وتكرست حالة الانقسام الجغرافي والسياسي الفلسطيني.
“جمهور اليسار وشرائح أخرى من أبناء الشعب الفلسطيني انتظرت من قوى اليسار أن تقوم بمواجهة حماس سياسيًا لما ارتكبته من حرب على الوحدة الفلسطينية، ولما ارتكبته من أخطاء بحق المجتمع المدني الفلسطيني، وبحق الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، لكن حركات اليسار تقاعست عن القيام بدورها، وفضلت أن تلعب دور الوسيط في أحسن الحالات والاكتفاء بتوجيه الانتقادات الإعلامية في أسوأ الحالات، وهو الأمر الذي لم يفقدها مصداقيتها كقوى يسارية فحسب، وإنما افقدها صلتها بالواقع الفلسطيني الجديد، لتبدو في نظر الكثيرين على أنها منقطعة عن الواقع الفلسطيني، وأنها نوادٍ فكرية مقصورة على جمهور آخذ بالانحسار وحتى بالانقراض” يقول هذا المسؤول.
وبحسب المسؤول، يمكن القول إن اليسار ارتكب نفس الخطأ الجسيم في الضفة الغربية باختياره عدم مواجهة السلطة الفلسطينية، وحركة فتح، لاحتكارهما العمل السياسي الفلسطيني وإقصاء الفصائل الفلسطينية من لعب أي دور سياسي فعال في ظل سياسة تفاوضية وسياسة مواجهة فشلت المرة تلو الأخرى أمام إسرائيل، خاصة في ظل انتشار حالة فساد اقتصادي كان بمقدور الأحزاب اليسارية أن تكون هذه الحالة بالنسبة لها هي الأرضية المثالية لتنهض عليها في مواجهة حركة فتح والسلطة الفلسطينية.
ويضيف المسؤول الفلسطيني “إن تهاون فصائل اليسار مع قيام حركة فتح وتحديدًا رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بإفراغ مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية من صلاحيتها ودورها، يُحسب أيضا على اليسار الذي هو جزء من منظمة التحرير، لكنه لم يحرك ساكنًا أمام عملية سيطرة رئاسة السلطة الفلسطينية على منظمة التحرير الفلسطينية وهذه الخطيئة الكبرى التي ارتكبها اليسار الفلسطيني والذي سيستمر بدفع ثمنها في الاستحقاق الانتخابي القريب”.
ويتابع المسؤول “إضعاف منظمة التحرير التي ساهم بها اليسار بتقاعسه هي ليست الخطأ الجسيم الوحيد الذي ارتكبه اليسار الفلسطيني، ولكن حالة التبعية الاقتصادية لرئيس السلطة هي التي رسخت في ذهن الكثيرين ممن كانوا يستطيعون ان يكونوا مصادرَ دعم لهذا اليسار، بأن هذه الحركات غير جادة في تعاملها مع حقيقة الوضع الفلسطيني الأليم، والتي يقع جزء كبير من المسؤولية عنه على الرئيس عباس”.
فلا يخفى على أحد كيف أن عصا الدعم المالي الذي كانت تحظى به هذه الفصائل من صندوق منظمة التحرير الفلسطينية، وتهديد الرئيس الفلسطيني بوقف هذا الدعم، كلما أعلن أي حزب مواقف تختلف عن مواقفه، وكيف فضلت هذه الفصائل عدم مواجهة الرئيس وفتح رغم إجماع الشارع الفلسطيني على فشل سياسة الرئيس خاصة بما يتعلق بمواجهة إسرائيل سياسيًا وميدانيًا. خضوع اليسار لمحفظة الرئيس المالية افقدته آخر ما تبقى له من رصيد عند شرائح المجتمع الفلسطيني، التي لم تكن تنتمي تاريخيًا لجمهوره، والتي انتظرت منه سياسة مختلفة عن سياسات حماس وفتح الإقصائية”.
ورجّح كثيرون من نشطاء اليسار الذين تحدثنا إليهم عن إمكانية توسيع التحالف ليشمل بعض القوى المحلية من مستقلين، وغيرهم، ليكون بإمكان اليسار إظهار نتائج من شأنها أن لا تعتبر انتكاسة انتخابية.
وقدّر هؤلاء أن يحصل تحالف اليسار على نتائج يمكن تسميتها بالمعقولة في مدينتي رام الله وبيت لحم، وبعض القرى المحيطة بهما، على أن يحصل على نتائج متواضعة في المواقع الأخرى والتي قد ينجح فيها التحالف بدخول المجالس البلدية والقروية، بفضل نظام الانتخابات النسبي.
ويتوقع مراقبون ان تكون الانتخابات نزيهة بإشراف مندوبي الفصائل، ومندوبي منظمات المجتمع المدني وبمتابعة قريبة من قبل السلك الدبلوماسي، وتحديداً بعض الدول الغربية والتي تنتظر لترى النتائج وما ستشير إليه من ترتيب أو خلط للأوراق السياسية داخل مناطق السلطة الفلسطينية.