تمتزج احتفالات عيد الاستقلال في إسرائيل، التي تتميّز دائمًا بالفرح الكبير، بشعورٍ بالإحباط في نظر كثيرين. فقد مرّ عام آخر، والصراع مع الفلسطينيين لا يزال يبدو بعيدًا عن نهايته، كقدَر فُرض علينا جميعًا أن نعيش معه أبدًا.
حاوِلوا تخيّل الفرح في بيتكم فيما جاركم غارقٌ في أحزانه. لا يمكن للفرح أن يكون مكتملًا أبدًا.
بعد نحو أسبوع من يوم الاستقلال الإسرائيلي، يحيي الفلسطينيون يوم النكبة. يُبدي عددٌ أكبر فأكبر من الإسرائيليين في السنوات الأخيرة انفتاحًا وتعاطفًا مع الألم الفلسطيني منذ 1948، لكنّ تأملًا سريعًا في الوقائع التاريخية يجب أن يقلق الفلسطينيين أنفسهم بشكل أساسيّ.
حتّى لو كان هناك مَن يفضّل نسيان أو تناسي ذلك، لم يكُن يُفترَض تأسيس دولة واحدة فقط عام 1948. فوفق قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947، كان يُفترَض أن تقوم في فلسطين (أرض إسرائيل) دولتان – يهودية وعربيّة.
دعم معظم اليهود الخطّة، ولا سيّما الوكالة اليهودية، التي كانت أشبه بحكومة أمر واقع للسكّان اليهود. مع المصادقة على البرنامج، خرج اليهود إلى شوارع المدن والبلدات اليهوديّة في فلسطين (أرض إسرائيل) معبّرين عن فرحهم بالأناشيد والرقص. وحتّى اليوم، تحيي دولة إسرائيل يوم اتّخاذ القرار في الأمم المتحدة كيوم فرحٍ، وكأحد التواريخ الأكثر أهمية في تاريخ الشعب اليهودي. ورغم أنّ قسمًا من الشعب اليهوديّ، لا سيّما من اليمين، رفض خطّة التقسيم، لكنّ الشعب ككلّ أدرك أنها فرصة تاريخية لا يجب تفويتُها. فإذا أعطَوك دولة، اقبل الهدية.
بالتباين، رفضت قيادة الشعب العربي، بتشجيعٍ من قادة الدول العربية، التقسيم بشكلٍ مطلق وحازِم (عدا أعضاء الحزب الشيوعيّ). فقد أعلن جمال الحُسيني، رئيس الوفد الفلسطيني إلى الأمم المتحدة أنّ “خطّ التقسيم لن يكون إلّا خطّ نار ودم”. وهكذا، في اليوم التالي للتصويت في الأمم المتحدة، بدأت أحداث عنيفة في كلّ أنحاء البِلاد، يدعوها اليهود “حرب الاستقلال”، فيما يدعوها العرب ببساطة “حرب 48”. رأى كثيرون أنّ دولة إسرائيل الفتيّة لن تصمُد في الحرب. بلغت الخسائر بين السكّان اليهود مبلغًا هائلًا، فقد عمّ الحزن كلّ بيت تقريبًا.
ليس الهدف ممّا سبق إنكار المعاناة الفلسطينية أو التقليل من أهميتها، فضلًا عن الاختبار القاسي للطّرد واللجوء، بل القول إنه كان يمكن منع ذلك لو قبل الفلسطينيون ورُعاتهم العرب (الذين استخدموا الفلسطينيين لعقودٍ كأدواتٍ في اللعبة السياسيّة) قيام دولة يهودية في الإقليم.
يمنع رفضهم العنيد فعل ذلك اليوم أيضًا، بعد عقودٍ من الأحداث المُشار إليها أعلاه، الحلّ الممكن والمفهوم ضمنًا لدولتَين – يهودية وعربية – تعيشان الواحدة إلى جانب الأخرى، إن ليس بمحبة كبيرة، فعلى الأقل بعيشٍ مشترك وعلاقات جوار مقبولة.
بعد ستةٍ وستّين عامًا، لا يزال إسرائيليون كثيرون يطمحون إلى إغلاق الحلقة التي فُتحت حينذاك، باعتراف جيرانهم بحقّهم في الوجود، وبإقامة دولة فلسطينية تمثّل نهاية الصراع.