نشر الحاخام شلومو أفينر، وهو أحد الحاخامات الأكثر بروزا في إسرائيل، قواعد احتشام جديدة للنساء في إسرائيل، وادعى أنّ الرغبة الذاتية في الاحتشام آخذة بالازدياد في أوساط الكثير من الفتيات اليهوديات في العقود الأخيرة.
ادعى أفينر، الذي يعمل حاخاما في مستوطنة بيت إيل (شمال رام الله)، أكثر من مرة أنّ “الاحتشام يتضمن كرامة واحترام، طهارة وقداسة، وأنّه عند تغطية الجسد تُحترم النفس التي هي أساس الإنسان”.
في إطار نشرات الدعاية والأفلام، يرسم أفينر على سبيل المثال قواعد لباس واضحة جدا، ويعرّف فيها لصالح النساء الإسرائيليات المتديّنات وغير المتديّنات، ما هو الاحتشام وفقا لرأيه وما هي الملابس المتواضعة التي يجب على المرأة ارتدائها. “يجب على الملابس أن تغطي كامل الجسد، ويحظر عليها أن تكون شفافة أو ضيّقة، ويجب أن تكون هادئة ومتحفّظة”. وللتوضيح، يقول أفنير عن الملابس الشفافة: “تُفحص شفافية اللباس أمام ضوء الشمس أو أمام ضوء قوي، وليس في المنزل”.
في الأماكن العامة في دولة إسرائيل، لا تعمل شرطة الآداب كما في إيران أو في مصر ولكن، هناك داخل المجتمعات الدينية المغلقة حضور كبير لهذه القوانين ومنفذيها. ومثل الشريعة الإسلامية هناك منطق معيّن وراء قواعد الاحتشام اليهودية أيضًا والذي يهدف إلى حماية المجتمعات المتدينة من التعرض للعالم العلماني.
ولكن، ما هو الاحتشام الديني في اليهودية؟
كما في الإسلام ففي اليهودية أيضًا هناك قواعد واضحة للاحتشام. ولكن ما هو الاحتشام في اليهودية وكيف يختلف عنه في الإسلام؟ هل يهدف بشكل عام إلى تقييد المرأة بالمؤسسة الذكورية؟ هل يهدف إلى أن تكون ذات علاقة تبعية بالرجل؟
يمثّل الاحتشام بمعناه العام طريقة تصرّف “أخلاقية” تهدف إلى تجنّب السلوكيات المنفتحة والتي قد تشهد على صفات الإنسان. يشتمل المعنى العام لمفهوم الاحتشام هذا على الاحتشام الجنسي. ومع مرور السنوات، أصبح الاحتشام الجنسي جزءًا رئيسيّا في مفهوم الاحتشام في اليهودية، سواء في الشريعة أو في التفكير اليهودي.
اعتمدت قوانين الاحتشام في السياق الجنسي في معظمها على الآية التالية الواردة في الكتاب المقدس (سفر اللاويين، الإصحاح 18، الآية 19): “وَلاَ تَقْتَرِبْ إِلَى امْرَأَةٍ فِي نَجَاسَةِ طَمْثِهَا لِتَكْشِفَ عَوْرَتَهَا”.
وقد اندمجت أيضا في النقاش الديني حول أزياء الملابس نقاشات تطرق إلى التحريم التوراتي “لاَ يَكُنْ مَتَاعُ رَجُل عَلَى امْرَأَةٍ، وَلاَ يَلْبَسْ رَجُلٌ ثَوْبَ امْرَأَةٍ” (سفر التثنية، الإصحاح 22، الآية 5).
احتشام المرأة
معظم تعريفات الاحتشام في اليهودية موجّهةٌ إلى الجنس اللطيف – النساء. تشتمل هذه التعريفات على غطاء جسد المرأة، بالإضافة إلى تعليمات تهدف إلى حشمتها، واستبعادها عن الانخراط الزائد في المجتمع الرجولي.
ولكن ماذا تتضمّن التحريمات والقيود الأخرى؟ نُقدّم لكم بعض النماذج الدينية لنثبتَ أنّ جزءًا كبيرا من هذه التحريمات يظهر اليوم أيضًا في الشريعة الإسلامية.
صوت المرأة – ممنوع؟
هناك مجموعة تحريمات تتعلق بسماع صوت امرأة وهي تغنّي. فهناك عدة مستويات بين الفقهاء بخصوص شروط هذا التحريم، من بينها إذا ما كان التحريم هو فقط في المشاهدة الجسدية لامرأة تغني أو إن كان أيضًا من دون مشاهدتها وهي تظهر فعلا؟ هل يدور الحديث فقط عن الغناء الحقيقي أم عن الغناء من خلال الوسائل الرقمية، وما شابه ذلك.
تحريم النظر
تحريم النظر إلى النساء أيضًا مبني على هذا الأساس. يعود أساس هذا التحريم إلى المقولة الدينية إن “كل شخص ينظر إلى النساء سيرتكب جريمة”. في أيامنا هذه، التي لا يمكن فيها منع وجود النساء في الأماكن العامة، فُرض مجدّدا مبدأ التحريم هذا على النساء، اللاتي سيحرصنَ على التغطية المناسبة لأجسامهنّ. ففي المجتمع الحاريدي (المتزمت)، يُستخدمُ هذا التحريم الذي تم تأكيده وتوسيعه في مجالات الحياة المختلفة، كأحد أسس الفصل بين الجنسين، بل ووصل إلى تحريم عرض صور النساء على أنواعها في الإعلانات في الأماكن العامة.
تحريم التحدث
لقد فسر الفقهاء اليهود التحريم المفروض على الرجل، بعدم إكثار التحدّث مع المرأة في الحالات التي ينطوي عليها الخوف من التدهور نحو الجريمة أو التواني في دراسة التوراة فقط.
تحريم اللمس
يشكل اللمس مثل المصافحة لأداء التحية، المعانقة والتقبيل غير “النابعة عن المودّة”، مثار الجدل بالنسبة لفقهاء الشريعة اليهود.
هل الرقص محظور؟
كان من المتبع في مجتمعات يهودية مختلفة في أوروبا في القرون الوسطى ممارسة الرقص المختلط، بل وتأسس ذلك في جاليات مختلفة هاجرت من أوروبا إلى إسرائيل.
ولكن، أدى الرقص المختلط إلى خلافات حادّة، تضمّنت محاولات متكررة لحاخامات لإلغائه لاعتباره انتهاكا لمعظم تعريفات الاحتشام: التفكير بتنفيذ جريمة، النظر، اللمس، وسماع صوت المرأة.
تحريم الخِلوة
تفصّل التشريعات الشروط التي يُحظر فيها على الرجل أن يستفرد بالمرأة. ومن بين هذه القيود أيضًا تمت مناقشة الحظر على العازب أن يُعلم الأطفال لمنع إتاحة فرصة للخِلوة بأمهاتهم، وكذلك خِلوة الطبيب بالمريض، المعلّم بالطالبة وغير ذلك.
تحريم الاستمناء لدى الرجال
تُحظر على الرجال الممارسة الجنسية الأكثر طبيعية وهي الاستمناء. ففي العديد من المرات تعتبر الشريعة اليهودية هذا التحريم عملا أكثر فظاعة من القتل. لأنّ الممارسة الجنسية تهدف إلى الحفاظ على الإطار الأسري بواسطة العلاقات بين النساء والرجال وكذلك الحفاظ على وصايا “أثمروا وتكاثروا”، فهناك واجب ديني لإقامة العلاقات الجنسية من أجل إنجاب الأطفال فقط.
كيف تُطبق هذه القوانين؟
هناك عدة منظمات في المجتمع المتدين في إسرائيل مثل شرطة الآداب، والتي تهدف إلى إنفاذ قوانين الاحتشام. غالبا ما يتم إنفاذها من دون ممارسة العنف، ولكن أحيانا تستخدم هذه المنظمات العنف الجسدي القاسي، والذي يشتمل على حرق الممتلكات، الضرب وقص الشعر، البصق بل وحتى النبذ الاجتماعي. تمثّل هذه المنظمات أيضًا حاجزا بين أجزاء من المجتمع المتدين وبين سلطات إنفاذ القانون في دولة إسرائيل، وتحظر على الشرطة معالجة هذه الأعمال الخطيرة وأحيانا الجنائية أيضًا وذلك لفرض الاحتشام.