رغم أنّ احتمالات اندلاع حرب بين إسرائيل وإحدى جاراتها قد تقلّصت جدّا في السنوات الأخيرة، فوفقًا لتقديرات جميع أجنحة الاستخبارات لا يزال هناك خطر اشتعال لا يمكن التنبّؤ به وضبطه، والذي قد يكون نتيجة لعدم الاستقرار العام في المنطقة. ومن بين تلك السيناريوهات، الأرجح والأكثر إثارة للقلق بالنسبة للجيش الإسرائيلي هو ذلك المتعلّق بالمواجهة مع حزب الله.
رغم تشكّل توازن متبادل للردع بين الطرفين منذ انتهاء حرب لبنان الثانية، قبل نحو ثلاث سنوات، فإنّ نظرة على أحداث العام الماضي: هجمة جوية على قافلة سلاح في لبنان واغتيال أحد كبار الشخصيات في حزب الله، والذي ينسبه التنظيم لإسرائيل، تهديدات متزايدة من قيادة حزب الله، انفجار عبوة ناسفة كبيرة في جبل دوف وسلسلة عمليات إرهابية في مرتفعات الجولان والتي تشكّ إسرائيل بأنّ حزب الله مرتبط بها؛ إن نظرة على هذه الأحداث كافية للإشارة بأنّ الهدوء في الحدود الشمالية لإسرائيل لن يستمرّ طويلا بالضرورة.
كيف ستبدو حرب لبنان الثالثة، فيما لو اندلعت؟ التفكير المقبول في الجيش الإسرائيلي يرى أنّ حزب الله سيسعى لاستعادة الاستراتيجية التي ضمنت له نوع من التعادل مع إسرائيل في الجولة الأخيرة، عام 2006: الفوز من خلال عدم الخسارة. بحكم حقيقة استمراره في إطلاق الصواريخ إلى الأراضي الإسرائيلية طوال أيام الحرب الأربعة والثلاثين، وكونه لم يرفع الراية البيضاء أمام تقدّم قوات الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان؛ يرى التنظيم نفسه منتصرًا في الحرب. ولذلك، فمن المرجّح هذه المرة أيضًا أن يسعى حزب الله إلى تكرار هذا الإنجاز؛ أن يشنّ حرب استنزاف ضدّ الجبهة الداخلية لإسرائيل عن طريق إطلاق عشرات الآلاف من الصواريخ خلال فترة زمنية طويلة نسبيّا وفي نفس الوقت يؤخّر عمليات الجيش الإسرائيلي في الأراضي اللبنانية، لمنع إسرائيل من تحقيق نصر حاسم.
من الجدير ذكره، أنّ المنظومة الأمنية في هذه الأيام مشغولة بتحدّي زيادة ميزانية الأمن الخاصة بها للسنة القادمة، والنقاشات في الحكومة الإسرائيلية، على ضوء الحرب الأخيرة ضدّ حماس، هي صعبة إلى حد كبير. يرى الكثير من المحلّلين أّنّ الجيش الإسرائيلي يعرض هذا التهديد الجديد – القديم، في كلّ مرة يحتاج فيها إلى أن يبرّر زيادة ميزانيّته.
ووفقًا لتلك التقديرات، والتي عُرضت أمس من قبل ضابط استخبارات كبير، فإنّ التنظيم الإرهابي الشيعي قد غيّر من سياسته وذلك بعد سنوات من الهدوء في أعقاب حرب لبنان الثانية، وتدخّله في الحرب الأهلية السورية، وقد قرّر زيادة الاحتكاك والمواجهة مع الجيش الإسرائيلي سواء على الحدود اللبنانية أو الحدود السورية.
حسب الضابط، إذا كان حزب الله منذ انتهاء حرب لبنان الثانية قبل ثماني سنوات، قد خشي من المواجهة وساد الهدوء على طول الحدود، فقد تعرّف الجيش الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة على تغيّرات في نمط نشاطات التنظيم الشيعي والذي تمثّل بالمزيد من الأنشطة المسلّحة في المنطقة. وفي لقاء مع مراسلين عسكريين، عرض الضابط صورًا قام الجيش الإسرائيلي بالتقاطها عبر الحدود. تظهر في الصور عناصر حزب الله المسلّحين وهم يجمعون المعلومات الاستخباراتية حول الجيش الإسرائيلي وحول الدوريات في الحدود.
وحذّر الضابط من أنّ حزب الله يخطّط للتسلل من خلال مئات الإرهابيين إلى داخل الأراضي الإسرائيلية في المواجهة القادمة، في محاولة للسيطرة على بلدة من البلدات خلال ساعات. مع ذلك، وبخلاف ادعاءات سكان المنطقة حول أصوات الحفر التي يتم سماعها، فليس لدى الجيش الإسرائيلي أيّة معلومات حول أنفاق تجتاز الحدود من لبنان إلى إسرائيل، كما كان في قطاع غزة.
وفقًا للتقديرات، وبخلاف العمليات الهجومية في الماضي ضدّ قوات الجيش الإسرائيلي، والتي انتهت بهجمة موضعية لخلية مكوّنة من 10 إرهابيين، فإنّ الهجمات هذه المرة ستكون أوسع وستشمل اعتداءات لما لا يقل عن 100 مقاتل بهدف احتلال أراضي إسرائيلية على الأقل لمدة 3 – 4 ساعات. هذه الهجمة، وفقًا لمنشورات حزب الله في الأشهر الأخيرة، قد تحدث في وقت واحد في أربعة مواقع على طول الحدود مع إسرائيل، تشمل أسلحة مضادّة للدبابات ونيران المدافع.