يمكن أن يعرّض الهجوم الأمريكي الوشيك على سوريا إيران لمأزق وجودي، إضافة إلى المصلحة الواضحة بعدم انهيار نظام الأسد. أظهرت الانتخابات الأخيرة أنّ أكثرية الشعب الإيراني معنيّة بترميم الاقتصاد عبر العودة إلى سياسة خارجية عقلانيّة ومعتدلة. وأعلن مقترعون كثر أنّه تكفي المليارات التي أُنفقت على السوريين، العراقيين، الفلسطينيين، واللبنانيين على حساب الإيرانيين. فضلًا عن ذلك، أدت هذه السياسة إلى عقوبات دولية كلّفت الاقتصاد عشرات المليارات الإضافية، تضخّمًا متسارعًا، وبطالة متزايدة. وجاء انتخاب حسن روحاني لهذا الهدف. فقد وعد الرئيس المنتخَب بالمصالحة مع الغرب ومع الجيران العرب، وألمح إلى أنه مستعد لتغيير السياسة الخارجية العدائية لسلفه، وإيقاف الحرب الباردة التي تُخاض ضدّ دول الخليج ودول أخرى مثل تركيا ومصر.
في حال اختارت إيران الرد عسكريًّا ضد هجوم التحالف الأمريكي – العربي ضدّ النظام السوري، كما هدّد عدد من المسؤولين، فقد تدفع ثمنًا باهظًا اقتصاديًّا، وربما عسكريًّا. فقد يكون الثمن تشديد المقاطعة الاقتصادية، ضرب منشآتها النووية، وربما حصارًا بحريًّا يشلّها. ورغم التبجح الإيراني، فإنّ قوة إيران العسكرية لا تساوي شيئًا أمام التفوق التكنولوجي العسكري الغربي، الموجود جزئيًّا لدى بعض خصومها مثل السعودية، مصر، وتركيا. وقد أثبت الاحتلال السريع لعراق صدام حسين هذه الفجوات. فلا قدرة للجيش الإيراني على التعامل مع تفوق بحري وجوي لخصومه. ويعرف النظام الإيراني ذلك. يعرف هذا النظام أيضًا أنّ التصريحات المتكررة بأنّ إيران ستشعل الخليج إن هوجمت، مقفلةً مضيق هرمز ومرسلة أعداءها إلى جهنم، هي تصريحات للاستهلاك الداخلي أكثر منها حقائق مثبَتة.
من الجانب الآخر طبعًا، يكمن مجد إيران كقوة إقليمية عظمى. فلا يؤدي هجر التحالف مع النظام السوري، في ظل تهديد واضح وفوري لوجوده، إلّا إلى التوضيح لحلفائها مثل العراق وحزب الله، أنّها مجرد نمر من ورق. إضافةً إلى ذلك، فإنّ تظاهر إيران بتفضيل الإسلام، لا سيّما الشيعي، على مصالحها القومية، قد يبدو، وليس للمرة الأولى، مفرغًا من مضمونه. فعدم الرد سيقلّص مكانة إيران إلى دولة من الدرجة الثانية، وربما الثالثة. والرابح الأكبر من ذلك سيكون عدوها اللدود، المملكة العربية السعودية.
يوضح الماضي، ربما باستثناء ولايتَي أحمدي نجاد الرئاسيتَين، أنّ إيران وضعت مصلحتها القومية فوق تلك الشيعية. واليوم، فإنّ قيادة إيران، الرسمية وغير الرسمية، هي في يدَي من سبّب الثورة أصلًا، وهم الذين فضّلوا المصلحة الإيرانية على المصلحة الإسلامية. وللمفارقة، يمكن أن يوفّر الهجوم الأمريكي على سوريا وعدم الرد العسكري الذريعةَ لإيران للنكوص إلى داخل حدودها، كما فعلت بعد الحرب الإيرانية – العراقية، لنيل استراحة ضرورية جدًّا لترميم الاقتصاد وثقة الشعب بالنظام. إذا حصل هذا حقًّا، فقد يقلّ التأثير الإيراني لفترة معينة، وتبدأ حقبة جديدة ترسم فيها المملكة العربية السعودية الواقع الجديد للشرق الأوسط.
هذا التحليل المثير هو لأحد الكتاب الأكاديميين العاملين في موقع “Can Think”، والمختص في شؤون الشرق الأوسط. ونضيف أن الموقع “Can Think” هو مشروع مستقل، لا يمت بصلة إلى أي جهة سياسية أو اقتصادية، ويعمل بموجب نموذج اشتراكي. الكُتاب والعاملون في الصحيفة هم أكاديميون، يقدمون تحليلات موضوعية من منظور بحثي.