في شهر أيلول 2016، نشر ضابط فيلق القدس التابع للحرس الثوري، قاسم سليماني، بيانا خاصا مصرحا فيه أنه ينوي أن يتابع عمله “جنديا” في خدمة المرشد الأعلى (خامنئي) والشعب الإيراني حتي نهاية حياته. نُشر هذا البيان الاستثنائي على خلفية التقارير في وسائل الإعلام حول نيته الترشح من قبل اليمين المحافظ في إيران في الانتخابات الرئاسية الإيرانية في أيار 2017. أشار ذكر سليماني بصفته مرشحا محتملا لمنصب رئيس إيران إلى صعوده الصاروخي في السنوات الماضية: فقد ارتقى من كونه “الرجل الغامض” إلى البطل الشعبي المشهور. واتضح في استطلاع أجرته جامعة ميريلاند في صيف 2017، بعد وقت قصير من الهجوم الإرهابي الذي نفذته داعش في طهران، أن سليماني هو الشخصية الأكثر شعبية لدى الإيرانيين.
وُلِد سليماني (الحاج قاسم) بتاريخ 11 آذار 1957 في قرية قَنات مَلِك في محافظة كرمان جنوب شرق إيران. هو الابن الأوسط لعائلة مؤلفة من خمسة أولاد وبنات. يبلغ عمر أخته الكبرى أكثر من 60 عاما، وأخيه الصغير أصغر منه بنحو سبع سنوات، ويعمل مديرا في سجن في لواء طهران. لدى سليماني ثلاثة أولاد وبنتان، إحداهما هي نرجس وتعيش في ماليزيا. بعد أن أنهى سليماني تعليمه في المدرسة الابتدائية عام 1970 في سن 13 عاما، انتقل مع قريب عائلته للعيش في مدينة كرمان العاصمة. عمل مدرب لياقة بدنية وهو حاصل على حزام أسود في الكاراتيه. في عام 1976، بدأ نشاطاته ضد النظام الملكي الإيراني ,بعد وقت قصير من الثورة، انضم إلى الحرس الثوري أيضا.
بعد اندلاع الحرب الإيرانية – العراقية في خريف 1980، أرسِل سليماني إلى الجبهة الجنوبية وكان رئيسا على فيلق من كرمان. تقدم سريعا في المناصب القيادية وبدءا من سن العشرينيات أصبح قائدا لفيلق “41 ثار الله” التابع للحرس الثوري. بعد انتهاء الحرب، عاد الفريق الذي كان مسؤولا عنه إلى كرمان وأصبح هذا الفريق مسؤولا عن محاربة مهربي المخدّرات في جنوب شرق إيران. شكلت محاولاته الكثيرة في الحرب ونجاحاته في الصراع ضد هؤلاء المهربين عاملا هاما في قرار المرشد الأعلى لتعيينه في أواخر عام 1997 وبداية عام 1998 ضابطا لفيلق القدس، وحدة القيادة في الحرس الثوري.
ومنذ ذلك الحين، تلقى سليماني قيادة فيلق القدس، وازداد عدد مقاتليه ومسؤولياته في الشرق الأوسط وفي أنحاء العالم. بالمقابل، تعززت مكانة سليماني في القيادة الإيرانية. في تصريح لاذع للخامنيئي في اللقاء مع عائلة الشهداء من محافظة كرمان في عام 2005، وصف الخامنيئي سليماني بـ “الشهيد الحي” وفي أوائل عام 2011، منحه بشكل استثانائي رتبة لواء، وهي الرتبة الأعلى في الحرس الثوري.
اهتم سليماني لسنوات بالحفاظ على عدم الظهور في وسائل الإعلام تقريبا لهذا لم يعرفه الجمهور جدا. فتحت التغييرات السياسية التي طرأت في السنوات الأخيرة في العالم العربي فرصًا جديدة أمام إيران لتوسيع نفوذها في المنطقة. فقد أصبح بفضلها فيلق القدس وسيلة مركزية في مساعي إيران لدفع تأثيرها قدما وأصبح سليماني “يشد خيوط” سياسة إيران في المنطقة. أدى احتلال الموصل على يد داعش في صيف 2014، إلى تعزيز تدخل سليماني في العراق. تحدثت القناة التلفزيونية التابعة لحزب الله “المنار” عن أن سليماني وصل إلى بغداد بعد ساعات قليلة من احتلال داعش للموصل وبرفقته خبراء عسكريّين من إيران وحزب الله، فوضع استراتيجية بالتعاون مع الجيش العراقي والمليشيات الشيعية التي عملت على حماية بغداد وضواحيها من تقدم داعش.
بالمقابل، تابع سليماني تقدمه في سوريا أيضا. وفق أقوال الضابط السابق “جون مغواير” (John Maguire) في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) في العراق، الذي اقتُبست أقواله في مقال استقصائي للمجلة الأمريكية “نيو يوركر” (New Yorker)، في أيلول 2013، فقد كان سليماني قائدا للمعركة الناجحة التي أدارها مؤيدو النظام السوري في أيار – حزيران 2013، التي انتهت بسيطرة حزب الله مجددا على مدينة القصير الواقعة على الحُدود اللبنانية السورية. في أعقاب تعزيز القوى الإيرانية في سوريا في منتصف أيلول 2015، تحمل سليماني مسؤولية تنسيق عمليات قوات تعداداها عشرات آلاف المقاتلين من الحرس الثوري، حزب الله، ومليشيات شيعية أجنبية.
إن تدخل إيران العسكري في المنطقة بقيادة سليماني منع تقدم داعش في العراق، وساعد نظام الأسد على الصمود وساعد الثوار الحوثيين في اليمن أيضا. رغم ذلك، هناك حالات فشل تعرض لها سليماني. ففي صيف 2015، اضطر إلى السفر إلى موسكو والطلب من الرئيس بوتين التدخل عسكريا في سوريا بهدف إنقاذ نظام الأسد. لقد فشلت جهود سليماني في العراق لإقناع زعماء الأكراد على إلغاء أو على الأقل تأجيل الاستفتاء الشعبي حول استقلال الأكراد بصرف النظر عن معارضة إيران وتركيا الكبيرة. أدى تدخله المتزايد في العراق إلى خلافات حادة في الرأي مع رئيس الحكومة، حيدر العبادي الذي تحفظ من تدخل سليماني الواضح في شؤون بلاده الداخلية. ففي أيلول 2015، ورد في صحيفة “النهار” اللبنانية أنه بعد خلاف حاد بين الزعيمين، طرد العبادي سليماني من غرفة الجلسات بعد أن انتقد الأخير الإصلاحات السياسية التي عرضها.
رغم التقييدات التي تعرض لها سليماني أصبح بطلا وطنيا. كلما ازادادت مشاركته في وسائل الإعلام، كثر دعم الجمهور له لدرجة أنه قام بأعمال خاصة تضمنت إصدار فيلم عن حياته، نشر كتاب مذكرات، إصدار طابع بريدي احتراما له، ورفع كليب في اليوتيوب تحت اسم “الجنرال الإيراني”. قد تساعده خدمته العسكرية، قربه من الزعيم الإيراني، وشهرته الجماهيرية الإيجابية في المستقبَل إذا دخل المعترك السياسي. مَن يخشى في يومنا هذا من التأثيرات العسكرية الكثيرة الخاصة بسليماني، قد يحظى برؤيته قائدا في القيادة السياسية الإيرانية في المستقبَل.