الجيش السوري يتجمّع إلى الداخل في سوريا من أجل حماية المدن الكبرى. “من الواضح تماما أنّ الجيش السوري انسحب من أجل الدفاع عن المدن الكبرى، حيث يوجد القسم الأكبر من السكان الذين هربوا من مقاتلي “الدولة الإسلامية” و “جبهة النصرة”. كتب هذه الكلمات رئيس تحرير صحيفة “الوطن” السورية، وهي صحيفة تعمل بمثابة بوق للنظام.
في نهاية شهر أيار هذا العام، سقط معبر حدودي آخر بأيدي داعش وفقد الأسد بذلك الملاذ الأخير له للعراق، معبر الوليد. ويسيطر الأسد اليوم على سبعة معابر برّية فقط، معظمها لا يعمل، من بين 20 معبرا كانوا بيده في بداية عام 2011. لم يكن مبالغًا به أن نقول إنّه على الأقل الآن، وعلى ضوء التطوّرات، فإنّ الحفاظ على حدود سوريا التقليدية ليس في أعلى سلّم أولويّات النظام السوري.
يُقدّر محلّلون عسكريون عرب وغربيّون أنّ حكم الأسد يقع الآن في مراحل نهائية من الموت البطيء والمملّ، ويخطط الرئيس السوري، بالتأكيد، لخطواته القادمة للدفاع عن معقله في دمشق ومعقل طائفته، العلوية. أين سيجد ملجأ؟ هل في داخل سوريا بين أنصاره العلويّين؟ أم سيترك كل شيء وراءه ويفرّ مع زوجته أسماء وأبنائه الثلاثة إلى دولة داعمة؟
2011: العرب، الإسبان والروس يعرضون اللجوء على الأسد
من أجل فهم عمق الأزمة التي يمرّ بها الأسد وأنصاره يجب أن ندرك أنّه في عام 2011 عندما بدأت أعمال الشغب والانتفاضة ضدّ النظام، عرضت الكثير من الدول في العالم حلّا سياسيّا سريعًا لعائلة الأسد على شكل عرض لجوء شريطة أن تنتقل السلطة بشكل مؤقّت إلى أيدي ممثّلي الشعب حتى التجهيز للانتخابات واختيار حكومة جديدة.
تدفّقت مثل تلك الاقتراحات من دول غير متوقّعة مثل إسبانيا، على سبيل المثال. أرسلت حكومة إسبانيا في شهر تموز 2011 رسالة خاصة إلى الرئيس الأسد، عرضت من خلالها عليه اللجوء السياسي على أراضيها. ووفقا للتقارير الإعلامية في ذلك الوقت، فقد حاولت الحكومة الإسبانية وضع حدّ للعنف في سوريا بواسطة عرض لحماية الأسد مقابل تغيير السلطة في البلاد وإيقاف العنف. رفض الأسد هذا العرض بشدّة واستمر في سحق معارضيه من الداخل دون أن يأخذ بعين الاعتبار أنّه في السنوات القادمة ستتشكّل ضدّه جبهات إسلامية عنيفة.
في تلك الفترة، عرضت دول عربيّة أيضًا اللجوء على الأسد مقابل استقالته. وفي تشرين الثاني عام 2011، كشف من كان مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط، هيلاري كلينتون، في جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ أنّ العديد من الدول العربية توجّهت إلى الأسد وعرضت عليه اللجوء شريطة أن يغادر سوريا ولكنه رفض عرضهم أيضًا. ولم يفصّل المساعد في جلسة الاستماع أية دول قد عرضت اللجوء.
خيارات دول اللجوء تتقلّص
كلّما أصبح القتال في سوريا أكثر تعقيدا وكلما دخلت إليها عناصر جهادية، تتضاءل تبعا لذلك احتمالات اللجوء لدى الأسد.
واليوم ليست هناك أية دولة عربية مستعدّة لاستضافة عائلة الأسد، لا بشار ولا أسماء ولا أبناؤهما الثلاثة وبالتأكيد ليس بعض أنصارهم.
ومن غير المعروف إذا كانت إيران، التي توفّر حلقة حماية مشدّدة حول عائلة الأسد، قد عرضت في يوم من الأيام منح بشّار اللجوء أو أيّا من أبناء أسرته المقربين. يكمن السبب كما يبدو في الفهم أنّ الأسد لا يزال في الوقت الراهن قادرا على الوقوف والدفاع عمّا تبقّى من سوريا وأنّه يستطيع على الأقل الدفاع عن معاقل الأقلية العلوية التي تعيش في الجبال على طول ساحل البحر المتوسّط في اللاذقية وطرطوس.
ومن الجدير ذكره عند هذه النقطة أنّ إيران تبذل مئات الدولارات لدعم الأسد والعلويين كجزء من جهودها لتعزيز سيطرتها على الشرق الأوسط. تدرك إيران حجم السكان الشيعة في سوريا، والذين هم جزء من أتباعها. يشكّل الشيعة في سوريا نحو 13% من مجموع السكان العام (وفقا لتقديرات نشرت في وسائل الإعلام، يبلغ تعداد السكان العلويّين أكثر من مليوني شخص).
هل سينسحب الأسد إلى معقل العلويّين في سوريا؟
حتى خيار التجمّع في معقل العلويّين، كما يبدو، قد فكر بشار به. كلّما ازدادت الجبهات، فعلى بشّار أن يحسب الخيارات المتاحة أمامه.
ولكن حتى هذا الخيار من الصعب تحقيقه: ففي معقل العلويّين على طول ساحل البحر المتوسّط هناك فعلا من يعتبر عائلة الأسد حافزًا لنهايتهم. تظهر في هذه الأيام جدالات حادّة بين أنصار الأسد في اللاذقية وبين المعارضين لقدومه والذين يقولون إنّه في حال سقطت دمشق وقرّر الأسد الانتقال إلى اللاذقية فقد يشكّل حافزًا كبيرًا للأعمال الانتقامية التي ستُنفّذ بالأقلية من قبل المجاهدين.
أمريكا اللاتينية؟
عام 2013، ذكرت مصادر سورية معارضة أنّ الأسد يدرس أيضًا خيار اللجوء في دول لاتينية مثل كوبا، فنزويلا أو الإكوادور، وأنّه أرسل مبعوثين لتلك الدول من أجل دراسة خيار الهروب. وسوى تلك التقارير فمن غير الواضح إذا كانت ثمّة حقيقة في هذه التقارير.
روسيا
في هذه الأثناء يبدو أنّ الخيار الأكثر واقعية للهروب هو روسيا. أرسل النظام الروسي في الماضي رسالة للأسد بأنّه سيدرس إمكانية انتقال عائلته فقط (أسماء والأطفال) إلى موسكو.
وفي لقاء أجري أمس في ألمانيا بين الدول الصناعية السبع (G7)، ذُكر بأنّ الولايات المتحدة وروسيا قد توصّلتا إلى تفاهمات في الشأن السوري رغم التوتّر القائم بينهما فيما يتعلّق بأوكرانيا. وفقا للمخطّط المتشكّل يبدو أنّ الولايات المتحدة مع دول غربية وعربية يرغبون بالتوصل إلى حلّ سياسي يمنح عائلة الأسد لجوءًا في روسيا مقابل نقل السلطة إلى حكومة مؤقتة، تتألف من رموز النظام القدامى حتى تحديد انتخابات حرّة في البلاد الممزّقة.
من غير الواضح في هذه المرحلة إذا كان هذا الاقتراح السياسي ممكنًا عمليّا لأنّ الدولة السورية ممزّقة. الهدف الرئيسي من الاقتراح الأمريكي – الروسي هو محاولة إزاحة الأسد جانبا من أجل معالجة مشكلة أكبر وهي إيقاف تقدّم الدولة الإسلامية.
وفي هذه المرحلة ينتظر العالم ليرى كيف سينجح الأسد في النجاة، إنْ كان ذلك ممكنا، من المستنقع السوري، وإذا حدث ذلك؟ أي اقتراحات ستقدّمها له القوى العظمى للتوصل إلى حلّ سياسي للأزمة السورية. من غير الواضح إذا كانت الولايات المتحدة أو دول غربية أو دول عربية ستتلهّف لإنقاذه هذه المرة كما فعل ذلك بعضهم في الماضي (حصل زين العابدين على لجوء في المملكة العربية السعودية) أم إنّه سيلاقي حتفه كما لاقى حاكم ليبيا، معمّر القذّافي، حفته المرير بعد أن أُخرج من قناة صرف صحّي وتم قتله من قبل مقاتلين ليبيين.