“يوم القدس”، ذلك الاختراع الذي اخترعه النظام الإيراني عام 1979 من أجل تعزيز علاقاته بفلسطين، هو فرصة جيّدة لدراسة مشاركة والتزام إيران بالقضية الفلسطينية.
بعد أكثر من أربع سنوات على الحرب الدموية في سوريا، والتي تبذل فيها إيران عن طريق تنظيم حزب الله موارد ضخمة من أجل تأمين بقاء دكتاتورية بشار الأسد العلوية، يمكننا أن نرى بوضوح بأنّ سلّم الأولويّات الإيراني قد تغيّر، وأنّ الفلسطينيين لم يعودوا في رأس الأولويات.
إذا كانت فلسطين في الماضي قضية رئيسية بالنسبة للإيرانيين، فهي اليوم قضية هامشية وثانوية. يهم الإيرانيين أكثر إنقاذ بشار وتهديد العدو السعودي بواسطة الحوثيين في اليمن، أكثر من الاستمرار في مساعدة الفلسطينيين.
هل القدس، غير الهامة بالنسبة للشيعة مثل كربلاء أو النجف، مهمّة حقّا لإيران لأسباب دينية؟
ويطرح هذا الأمر تساءلا حقيقيّا بخصوص تعامل إيران مع الفلسطينيين. هل ساعدت إيران الفلسطينيين حقّا، أم أنها ببساطة استخدمت القضية الفلسطينية، الغالية على قلوب الكثير من المسلمين في جميع أنحاء العالم، كي تحظى بشرعية سنية؟ هل القدس، غير الهامة بالنسبة للشيعة مثل كربلاء أو النجف، مهمّة حقّا لإيران لأسباب دينية، أم أنها استخدمتها استخداما استراتيجيًّا لتعزيز مصالحها الشخصية؟
يوفر سلوك إيران في الساحة الدولية إجابات مثيرة للاهتمام جدّا على هذه الأسئلة. من الواضح للجميع بأنّ التوصل إلى اتفاق دولي بخصوص برنامجها النووي، هو الأولوية القصوى للإيرانيين. وفي الساحة الإقليمية، لم تُظهر إيران أي تنازل عن طموحها في أن تكون الإمبراطورية الأقوى في المنطقة. لذلك، فهي مستمرّة بدعم حلفائها الإقليميين في بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء بكلّ قوة.
يبدو أن الإيرانيين يكونون فرحين عندما تستعر الأوضاع فلسطين، ولكنهم يختفون حين تكون هناك حاجة لإصلاح الأضرار. في السنة الماضية، في ذكرى “يوم القدس” الإيراني بالتوازي مع حرب غزة، كان يبدو أنّ إيران تعود لتكون عاملا مهمّا في السياق الفلسطيني. ولكن مع انتهاء المعارك وحلول الوقت لإعادة إعمار غزة، نسي الإيرانيون فلسطين مجدّدا.
لقد كانت علاقة إيران بحماس هشّة فعلا في السنوات الأخيرة، الأمر الذي انعكس عندما تم إخلاء كبار قادة حماس لمكاتبهم في دمشق. أعلن بشار الأسد منذ زمن أنّ حماس لم تعد مرغوبة في سوريا، ممّا يشير أيضًا إلى سلّم أولويّات طهران.
ولكن تزعزع العلاقات بين طهران والجهاد الإسلامي في غزة، وهو التنظيم الأكثر وضوحا بأنه مدعوم من قبلها في فلسطين، هو إشارة واضحة على التدهور. والسبب في أنّ الإيرانيين تخلّوا عن الجهاد لا يقلّ إثارة للاهتمام، وهو مرتبط برفض التنظيم الفلسطيني لدعم المتمردين الحوثيين في اليمن.
بالنسبة للإيرانيين، يوم القدس هو يوم واحد في السنة. فهم مشغولون في بقية الأيام بسوريا، اليمن والعراق.