غزة هي دولة فلسطينية. لمزيد من الدقة هي دويلة. صحيح أنه من المفترض أن تُضم إلى منطقة الضفة الغربية بهدف أن تصبحا معا دولة فلسطينية كبيرة – لكن لا يمكن تجاهل أن الحديث يدور عن دولة فلسطينية. كل سكانها هم فلسطينيون – أصر أريئيل شارون على إخراج كل اليهود من القطاع (بموجب خطة الانفصال عن غزة)، ويعتقد معظم الفلسطينيين أن هذا يشكل شرطا لإقامة دولة فلسطينية مستقبلية. يوجد في غزة حكومة، وجيش، وشرطة، ومحاكم لتحقيق العدل – نوعا ما من العدل. غزة لا تخضع لأي احتلال. إنما هي دولة فلسطينية سيادية.
كانت لدى الفلسطينيين خلال السنوات العشر الأخيرة فرصة لأن يُظهروا للعالم كيف تُدار الدولة الفلسطينية، وكيف تعمل الحكومة الفلسطينية من أجل رفاهية السكان الفلسطينيين تحت حكمها. عمليا فشلت هذه الدولة.
منكم من سيعارضني ويقول: غزة تعيش تحت حصار إسرائيلي. كيف يمكن التقدم في ظل هذه الظروف؟ وجوابي هو: في الحقيقة، لا يوجد حصار محكم لأن مئات الشاحنات تنقل البضاعة والمنتجات إلى غزة يوميا تقريبا، وتعمل إسرائيل على توفير معظم الكهرباء. الفلسطينيون هم المسؤولون عن “الحصار”. لو أن حماس لا تعكف على تهريب الصواريخ إليها وتجميعها -صواريخ معدّة لإطلاق النيران نحو المدن والبلدات الإسرائيلية في أحيان قريبة- كانت ستُلغى كل القيود التي فرضتها إسرائيل منذ زمن. ولو عمل حكام غزة على إقامة علاقات جيدة مع جيرانهم المصريين كان يمكن العبور بحرية عبر الحدود المصرية.
ولكن في ظل الظروف الحالية، ما الذي فعلته حكومة حماس في غزة من أجل السكان الفلسطينيين؟ تدفقت أموال كثيرة من مصادر مختلفة إلى غزة طيلة السنوات، ودُفعت ضرائب مقابل كل ما نجحت حكومة غزة في وضع يدها عليه. استُخدم معظم المال لشراء صواريخ وحفر الأنفاق في الأراضي الإسرائيلية، أو أنه دُفِع للموظفين الفاسدين، بدلا من أن يُستثمر في البناء، التربية، ورفاهية المواطنين. حماس لم تنجح في إقامة دولة فلسطينية، هذا مؤكد. وضع الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية في ظل “الاحتلال” الإسرائيلي أفضل بكثير من وضع السكان في غزة. قبل أن تحصل غزة على استقلالها كان وضعها أفضل مقارنة بوضعها في يومنا هذا.
هناك ادعاء يقول إنه في حال لم يتحسن وضع الفلسطينيين في غزة، فسيُطلق حكامها المزيد من الصواريخ باتجاه إسرائيل. وفق المنطق غير السليم هذا، على إسرائيل أن توفر لغزة الكهرباء وأن تتيح المزيد من نقل البضائع لسكانها. المنطق وراء هذا الادعاء أن هذا سيمنع شن جهوم من غزة على إسرائيل. بكلمات أخرى، يجب إطعام الفريسة لئلا تهاجم. مَن يطالب بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية، يُستحسن أن ينظر عن كثب إلى الدولة الفلسطينية القائمة في غزة. هل ستكون الدولة الفلسطينية مغايرة للدولة القائمة في غزة – أم أنها ستكون أسوأ من وجهة نظر إسرائيل؟ يبدو حل “دولتَين لشعبَين” الذي يرفضه محمود عباس أفضل نظريا، ولكن قد يؤدي إلى المزيد من الحروب والمعاناة في المنطقة.
ولكن، ليس الإسرائيليين لوحدهم يجب أن يكونوا قلقين من تداعيات إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية – إنما على الفلسطينيين أيضا أن يسألوا أنفسهم ما مدى فائدة هذه الخطوة بالنسبة لهم. فقد يجدون أنفسهم في وضع أسوأ من وضعهم اليوم. هل هم يريدون حقا أن يتشاطروا مصيرهم مع مصير الفلسطينيين في غزة؟.
الفلسطينيون الذين يؤمنون أن عليهم مهاجمة اليهود بموجب التعاليم الدينية لن يقتنعوا بالمنطق الذي طرحته بالتأكيد. فالفلسطيني من دير أبو مشعل الذي طعن المجندة الإسرائيلية هداس مالكا في باب العامود في القدس، ترك رسالة لوالدته وعدها فيها أنهما سيلتقيان معا في جنة عدن. وربما لأن الدولة الفلسطينية التي قد تقوم لن تكون جنة عدن على الأغلب.
نشر هذا المقال أولا في صحيفة هآرتس