بعد مرور بضعة أيام سيحتفل الرئيس الفلسطيني بعيد ميلاده الـ 82. حتى في البيئة التي يفضّل فيها الزعماء كبار العمر فإن هذا العمر يعتبر متقدما جدا. يمكن أن نفترض أنه بعد وفاة عرفات كان يأمل من يُعتبر الرقم 2 الأبدي من بعده أن ينهي طريقه السياسي كزعيم محبوب وشعبي. حقيقة أن شخصية أبو مازن ليست ثورية وكارزماتية مثل عرفات جعلت الكثيرين يقدرون أنه يتمتع بالصفات الضرورية لإقامة دولة: إقامة مؤسّسات، وضع بنى تحتية لاقتصاد مستقل، مصالحة سياسية، وعقد اتفاق سياسي مع إسرائيل. بعد مرور 12 عاما منذ اختيار أبو مازن رئيسا، يمكن القول بالتأكيد إنه رغم فترة التفاؤل القصيرة، فإن أبو مازن يسير في طريق الركود، يحتفظ بسياسة المقربين الاقتصادية الفاسدة، وأن هناك شرخا لا يبدو قابلا للانعكاس بين غزة والضفة وطبعا – ليست هناك دولة فلسطينية في الأفق.
منذ اندلاع الربيع العربيّ كانت الضفة الغربية أحد الأماكن الأكثر هدوءا في الشرق الأوسط. يمكن نسب أسباب ذلك إلى تعب الفلسطينيين، دروس الفشل من كلا الانتفاضتين، سيطرة أجهزة الأمن التابعة للسلطة في الأراضي بشكل فعال، وترك تدفق نقدي من الدول المانحة انطباعا (زائفا) اقتصاديا وكأن الأمور تسير كما ينبغي.
في السنة الماضية، وأكثر من ذلك في الأشهر الأخيرة، يبدو أن الوضع بدأ يتغير. تتعرض قيادة أبو مازن إلى تحديات من الخصوم في الداخل، وعلى رأسهم دحلان، الذي شن هجوما على الورثة. يحظى دحلان بأموال كثيرة من الخليج العربي، ويشكل معارضة ضد أبو مازن في كل مجال تقريبا: بدءا من مخيّمات اللاجئين، مرورا بشن نزاع علني خطير، بما في ذلك في الفيس بوك، وحتى عقد تحالفات مع زعماء عرب وعلى رأسهم الرئيس المصري، ما أدى إلى تدهور العلاقات بين أبو مازن والسيسي.
هناك شائعات تتحدث عن أن أقوال دحلان يستمع إليها وزير الدفاع الإسرائيلي، ليبرمان إلا أن كلا الزعيمين يرفضان هذا الادعاء.
إضافةً إلى ذلك، فإن الموجة التي بدأت كانتفاضة الأفراد ضد إسرائيل، لا سيّما في القدس، أصبحت مصدر إحباط لدى الشبان في السلطة الفلسطينية، الأخذ بالازدياد مؤخرا، في ظل وفاة باسل الأعرج الذي بات يعتبر “أيقونة” الجيل الشاب. نجحت وفاة الأعرج في إخراج الكثير من الشبان إلى الشوارع احتجاجا على التعاون الأمني بين السلطة وإسرائيل، إلا أن الهتافات “الشعب يريد إسقاط أوسلو” تعني الشعب يريد إسقاط الرئيس.
للإجمال، يبدو أن أبو مازن سيقضي سنواته الأخيرة بصفته رئيسا من خلال نزاع مرير حول بقائه إلا إذا طرأ تغيير استثائي. قد يكون انتخاب ترامب تحديدًا هذا التغيير الاستثنائي بحد ذاته. رغم شخصيته الإشكالية، ترامب يحظى باهتمام الزعماء العرب، الذين يحتاجون إليه لأسبابهم الخاصة، فهو ليس متوقعا وليس عاديا ولديه رغبة قهرية في تحقيق “DEAL” – وفق ما قال ترامب عن اتفاقية السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
حتى الآن تصرف أبو مازن بحكمة كبيرة مع الإدارة الأمريكية الجديدة والإشكالية من جهته. لم يتحدث المسؤولون الفلسطينيون الكبار ضد ترامب وفي المقابل حاول مقربوه لا سيّما الملياردير الفلسطيني – الأمريكي، عدنان مجلي العثور على طرق لنقل رسالة فلسطينية إلى المكتب البيضاوي. الهدف الفوري لدى أبو مازن هو إحباط محاولة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وتجميد نشاطات المستوطنات الإسرائيلية. إذا نجح أبو مازن في هذه المحاولة، فقد تشكل بداية للمرحلة القادمة، لمحادثة سلام بمشاركة زعماء المنطقة، إلى جانب استثمارات اقتصادية في السلطة. في الوقت الراهن، يبدو أن ذلك بعيدا، ولكن قد يحدث تغيير مثير للاهتمام، في نهاية الطريق السياسي للرئيس الفلسطيني.