لم يتفاجأ أحد من إمكانية استقالة حكومة رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله. فالحكومات الفلسطينية، وبشكل عام، لا تُعمّر كثيرا. لكن استقالة حكومة وفاق تنطوي على دلالات سياسية ولا يمكن اختزال الأمر بأمور فنية او شكلية.
صحيح أن الحكومة تعمل وسط أزمة اقتصادية محدقة تجعل من عملها ومن إمكانية نجاحها أمر مستحيل. صحيح أيضاً أن قيادات فتحاوية لم تتوقف عن انتقاد الحكومة ومهاجمة عملها أو عمل بعض الوزراء. صحيح أن الشارع الفلسطيني لم ير أي انجاز يُذكر لحكومة التوافق. صحيح أن تسمية الحكومة بحكومة توافق كان بعيداً كل البعد عن الحد الأدنى من التوافق.
مصادر فلسطينية في الضفة الغربية وفي قطاع غزة ترى أنه كان بالإمكان إطالة عمر هذه الحكومة، حتى ولو قصريا، لكن ثمة أمور سياسية حصلت في الآونة الاخيرة من شأنها أن تساعد على تفسير النهاية التي وصلت اليها حكومة الوفاق.
حكومة الوفاق الوطني وجدت نفسها، في ظل ربيع عربي دامي، في قاع سلم أولويات العالم العربي مما أفقدها أي قدرة على تحقيق أي إنجاز يُذكر بالنسبة للمواطن الفلسطيني. المساعدات الدولية لم تستطع أن تلبي سوى بعض المشاريع المحددة التي لم يشعر المواطن الفلسطيني أنها تؤثر إيجاباً، على حياته اليومية وتحديداً على معيشته. في ظل حالة الشلل التي ميّزت عمل الحكومة، شعرت بعض القيادات في حركة فتح أن الشارع الفلسطيني لا ينظر إلى الحكومة على أنها حكومة وفاق بين الضفة وغزة، بين حماس وفتح، بل ينظر للحكومة على أنها حكومة رام الله، بمعنى حكومة فتح وبدأ، أي الشارع، يحاسب فتح على عجز الحكومة، بينما لم يلحق بحماس أي ضرار جراء هذا العجز. من هنا، ومن عدم قدرة قيادات فتح على تسيير الحكومة وفق رؤيتها، بدأت حرب إعلامية واضحة بين بعض رموز فتح وبين الحكومة – أعضاء ورئيساً.
العامل الأهم في تفسير استقالة الحكومة يكمن في العلاقة مع قطاع غزة وتحديداً مع حركة حماس. فحكومة الوفاق ورغم زيارة هنا أو هناك قام بها رئيسها ووزرائها الى القطاع، إلا أنها لم تكن تتمتع بأي قدر من السلطة على أرض القطاع. فرغم الوفاق كانت تحتاج أي زيارة لأي مسؤول حكومي أو وزير إلى قطاع غزة إلى تصريح من قبل حركة حماس. فقد حالت المناكفات السياسية في غالبية الأحيان الى إلغاء زيارات الوزراء الى قطاع غزة. ففي ظل حكومة التوافق لم تتوقف اتهامات حماس إلى الحكومة من أنها لم تلتزم بدفع رواتب موظفي حكومة غزة السابقة وانها تتواطئ مع الجانب الإسرائيلي لمنع تزويد القطاع ما يحتاجه من وقود ليحصل سكانه، بشكل منتظم أكثر، على الكهرباء.
الاصرار الذي أبداه بعض مسؤولي فتح على ضرورة إنهاء عمل الحكومة للأسباب التي ذكرناها وعدم القدرة على ممارسة اي سلطة في قطاع غزة كان لهما وزن في إنهاء عمل الحكومة. لكن بهذا القرار أراد أبو مازن أن يقول لحماس أنه مع الوفاق ولكن ليس بكل ثمن. فلم يغب على الرئيس الفلسطيني التقارب الغير رسمي والغير مباشر بين حماس وإسرائيل: حرص متبادل على التهدئة، انباء عن وساطات للتوصل الى هدنة وإلى تفاهمات سياسية طويلة المدى بين حماس وإسرائيل، رغبة إسرائيلية في تخفيف أزمة القطاع نظر أليها أبو مازن انها محاولة إسرائيلية على مساعدة حماس لتعزيز سيطرتها على القطاع. تنسيق إسرائيلي حمساوي في إدخال مزيد من البضائع، السماح بدخول تجار القطاع الى إسرائيل، السمح بدخول عمال من القطاع الى إسرائيل، السماح بدخول مصلين من القطاع إلى القدس وإلى المسجد الأقصى، محاولة إسرائيلية مستمرة لتخفيف العزلة العربية والدولية المفروضة على حماس. كل هذا جعل قيادات في فتح وحول أبو مازن بإنهاء هذه المعادلة والتي فيها فتح هي الخاسر الوحيد وحماس، على اعتبار أنها ليست حكومة أو شريكة في الحكومة، تفلت من أي محاسبة شعبية وجماهيرية.
ورغم مباركة السلطة قرار مصر بفتح معبر رفح إلا أنها تنظر الى هذه الخطوة المصرية على أنها جزء من حراك سياسي يهدف الى إقناع حماس بعدم التغريد خارج السرب العربي في ظل استقطاب عربي – إيراني وسني – شيعي واضح. وتنظر السلطة الى الأنباء عن هدنة قد تبرم بين إسرائيل وحماس تشمل تسهيلات كبيرة في عملية إعادة بناء القطاع أنها محاولة التفاف عليها وعلى حكومة الوفاق.
في ظل كل هذه المعطيات لم يجد الرئيس الفلسطيني أي جدوى في الحفاظ على حياة هذه الحكومة. صحيح أن تصريحات مستشاريه تتحدث عن الشروع في اتصالات مع كافة القوى، بضمنها حماس، لإعادة تشكيل حكومة وحدة وطنية، لكن الجميع مقتنع، أنه إذا ما لم تُستعمل على ابي مازن ضغوطات خارجية، فإن حماس لن تكون جزء من الحكومة ألتي سترتكز على وجوه فتحاوية أو حتى مستقلين، لكن من الطراز الفتحاوي.