اشتبكت الليلة قوة عسكرية إسرائيلية مع مجموعة من المسلحين الفلسطينيين في محيط البلدة القديمة في نابلس وذلك خلال عملية اعتقال نفذها الجيش الإسرائيلي بحق عدد من الشبان الفلسطينيين في المنطقة. وتشير هذه العملية التي تأتي بعد عدة عمليات إطلاق نار تعرضت لها القوات الإسرائيلية في عدة مواقع في الضفة الغربية أن الأمور تسير بتجاه التصعيد أكثر منها الى التهدئة وأن بدون تدخل سياسي سريع يُحفز السلطة الفلسطينية على تهدئة الأمور فإن الوضع يسير باتجاه انفجار جماهيري أخطر من انتفاضة العام 2000 بحسب مسؤول أمني فلسطيني.
وعلم “المصدر” أن الغالبية الساحقة من أفراد هذه المجموعة ينتمون الى حركة فتح. ويقول المسؤول الأمني الفلسطيني أن الأجهزة الفلسطينية ستحاول معرفة هوية هؤلاء الأشخاص وستقوم حتما بمراجعة أولئك الذين شاركوا في الاشتباك مع الجيش “وسنسعى بكل الطرق الى ثنييهم ومنعهم من تكرار هذا النوع من العمليات لأننا غير معنيين بمواجهة عسكرية مع الطرف الإسرائيلي، لكننا لا نستطيع في ظل اعتداءات المستوطنين المتكررة أن نمنع الشباب من النزول في مسيرات وتظاهرات تنديداً بعربدات المستوطنين والاعتداء على المسجد الاقصى”.
ويضيف المسؤول الأمني أن أجهزة السلطة غير موجودة حاليا على خطوط التماس لوقف المواجهات ولن تتواجد كذلك يوم الجمعة الذي اُعلن أنه سيكون يوم غضب ومواجهة” حتى أنه في بعض الحالات التي رأينا أن الامور ستتدهور بشكل خطير نزلت بعض العناصر بسيارات وبلباس مدني لمراقبة الوضع عن قرب، لكن لم تحاول وقف الشباب، أنا اصلا لا أعتقد اننا نستطيع أن نواجه هؤلاء الشبان الغاضبون”.
أقوال المسؤول الفلسطيني تعتبر تحولا في موقف الأجهزة الأمنية الفلسطينية بدأت تظهر ملامحه على الارض في الأيام الاخيرة. ففي خطوط التماس ألتي تقع فيها المواجهات بين الشبان الفلسطينيين وبين القوات الإسرائيلية من الصعب مشاهدة رجال الأمن الفلسطينيين يمنعون المتظاهرين من التوجه الى خطوط المواجهة. عنصر أمن فلسطيني، وهو قيادي سابق في كتائب شهداء الأقصى يقول أن الشارع الفلسطيني يغلي وعناصر الأمن هي جزء من هذا الشارع ويصعب عليها أن تمنع مظاهر الاحتجاج لا سيما وأننا ندري أن هذا الشارع يفتقد الى أي أفق سياسي، ويعاني من أوضاع مالية مزرية، ويرى المستوطنين يعتدون على المواطنين وعلى المقدسات، في مثل هذه الحالة لا جدوى من أي تدخل لأن الشباب أصلا لا ينصعون الى عناصر الأمن وهم يشعرون أن لا فرق بين أن يعيشوا بلا كرامة وبلا أمل وبين الموت”.
رجل الأمن الفلسطيني يقول أن طالما الأمر لا يصل الى عمليات كبيرة من شأنها احراج الفلسطينيين واتهامهم بأنهم عادوا ليزاولوا العمليات والتفجيرات، فإن الأجهزة الأمنية ، في ظل الوضع السياسي الراهن ، لا تمتلك الكثير”.
فبينما التنسيق الأمني مستمر لمنع وقوع عمليات كبيرة، تقف الأجهزة الفلسطينية على الحياد أمام المواجهات التي اندلعت مؤخرا بين الشبان الفلسطينيين وبين القوات الإسرائيلية ” هناك شهداء وجرحى فكيف يمكن لي، ان أمنع الشباب من أن يعبروا عن غضبهم واحتجاجهم”.
وهذه هي على ما يبدو النقطة الرئيسية، على الأقل في هذه المرحلة – السلطة ستسمح أو على الأقل لن تمنع الشباب الفلسطيني من خوض مواجهة مع الجيش، شريطة أن لا يتطور الأمر الى مواجهة عسكرية – أي الحجر والمولوتوف مسموح بهم، السلاح والتفجيرات يتم التعامل معهم بهدف منعهم. السؤال في مثل هذه المعادلة هل ستستطيع أجهزة السلطة أن تحافظ على “حالة المواجهة” تحت السيطرة وتضمن عدم عسكرة المواجهة.
التحدي الرئيسي الثاني الذي تواجهه السلطة وأجهزتها في هذه المرحلة هو عدم انضمام عناصر فتح وتحديدا عناصر الاجهزة الأمنية الى حالة المواجهة، خاصة اذا ما خرجت عن نطاق السيطرة. فالجميع تحدث في الآونة الاخيرة عن حملة الاعتقالات التي قامت بها السلطة ضد نشطاء حماس والجهاد الاسلامي في الضفة الغربية، لكن “المصدر” علم أن الاعتقالات طالت عدد من كوادر فتح الذين لم يلتزموا بأوامر التهدئة وتعليمات السلطة بالابتعاد عن أي عمل فيه ما يوحي بالعودة الى السلاح والمواجهة المسلحة.
وكنا قد نشرنا في “المصدر” أن السلطة أوقفت للتحقيق بعض كوادر فتح، منهم نشطاء سابقين في كتائب شهداء الأقصى ممن جددوا اتصالاتهم بحزب الله اللبناني، ومنهم من يقوم باتصالات مع كوادر كتائب شهداء الاقصى التي لا زالت موجودة في قطاع غزة. مصدر أمني فلسطيني يقول أن بعض الكوادر من القطاع تقوم بتجنيد شبان ليقوموا بعمليات في الضفة الغربية ، في الغالب بتمويل من حزب الله. وفي الأيام الأخيرة زادت هذه المحاولات لتجنيد عناصر فتحاوية من الضفة الغربية. أحد كوادر الأقصى الذي كان في الماضي على علاقة بحزب الله قال أنه شخصيا لن يعود لمزاولة هذا النشاط لأنه وزملائه دفعوا ثمنا باهظا “لكن بعض الشباب بسبب حالة اليأس، وبسبب استمرار التصعيد في الأقصى، ولكن أيضاً بسبب انعدام أي أمل وكذلك بسبب الأوضاع المالية ، لا يترددون في التعاطي مع مثل هذه المحاولات”.
ويضيف الناشط أن كوادر فتح لا تستطيع أن تبقى في المؤخرة بينما الشارع كله في حالة انتفاض وغليان خاصة ونحن نتحدث عن أشبال الانتفاضة الثانية الذين أصبحوا اليوم شباب في منتصف العشرينات من عمرهم، لا يعملون ولا يتطورون في حياتهم “وفوق كل هذا يروا ما يقوم به المستوطنون، ويروا الاعتداءات في الأقصى” لذلك هؤلاء لم يعودوا يشعروا بأي ضوابط تنظيمية أو غيرها، ولا ينصاعون لتعليمات وأوامر أجهزة امنية، والسلطة في الحقيقة حتى الأن غير معنية بمواجهتهم طالما أنهم يلتزمون بعدم استعمال السلاح وعدم المشاركة في عمليات يستعمل فيها السلاح”.