هذه ليست المرة الأولى التي يلقي فيها أحد زعماء حماس، الذين تعلم معظمهم لدى حزب الله، خطاب انتصار كاملا مفعما بالحماس، والتهديدات بعد جولة قتال مع إسرائيل. ولكن كان خطاب السنوار يوم الجمعة الماضي مبالغا به، لا سيما عند الأخذ بعين الاعتبار مضمونه.
لا يعتبر السنوار خطيبا قديرا ولا سياسيا متمرسا. فهو إرهابي، فقط. خلافا لهنية، خالد مشعل، ونصرالله، فإن سماع خطابه كان مزعجا. تميّز خطابه بالصراخ، واستخدام لغة الجسد الفظة (كانت ذروتها عندما قدم له أحد مقاتلي حماس، الذي حظي بقبلة، مسدسا ادعى أنه لأحد الجنود الذين شاركوا في عملية في خان يونس)، كما تميز بمظهر السنوار الجميل إلى حد معين. ولكن لو وضعنا جانبا المظهر وركزنا على المضمون، فقد أوضح خطاب السنوار ثانية أن طريق التوصل إلى تسوية مع حماس ما زالت طويلة ومليئة بالفشل.
ارتكز خطاب السنوار على الإشارة إلى: “لن نبيع دمنا مقابل الدولارات والوقود”. كانت هذه النقطة موجهة ضد الانتقادات الخطيرة التي تعرضت لها حماس بعد حصولها على حقائب الدولارات، التي أعتقدُ أنها دفعت حماس إلى استخدام العنف سعيا منها للإثبات “لم يتم شراؤنا بالمال”. يؤكد السنوار على أهمية إعادة ترميم غزة (واصفا هذه الخطوة بـ “الحليب لأطفالنا”، وعلى الحفاظ على القدرات العسكرية وتطويرها والاستعداد لاستخدامها، بشكل عام أثناء التوصل إلى تسوية مع إسرائيل. هذه البشرى ليست جيدة لمن يعتقد إن ترميم غزة سيرافقه وقف تام لإطلاق النيران.
ثمة موضع آخر تباهى به السنوار وهو غرفة العمليات المشتركة التي أقامتها حماس مع سائر المنظمات المسلحة في غزة. أدارت 11 منظمة بالمجمل المعركة في الأسبوع الماضي. كانت هذه تجربة ناجحة جدا (“ركيزة الجيش الفلسيطينيين”)، إذ أنها أتاحت للفلسطينيين تركيز جهودهم والتنسيق فيما بينهم، وكانت حماس المسيطرة في الوقت ذاته. كما وتشكل هذه الخطوة حملة إعلامية أمام فتح وأبو مازن، في الوقت الذي التُقطت فيه صور لأحد زعماء السلطة وهو يساعد جنود إسرائيليين على إصلاح إطار مركبة عسكرية إسرائيلية، أو وفق أقوال السنوار: “السلطة تصلح إطارات سيارات الإسرائيليين ونحن نهتم بتعطيلها”.
كما حقق السنوار نجاحا بعد أن حضر رؤساء الاستخبارات المصرية، الذين يعملون وسطاء بين حماس وإسرائيل، حفل تأبين شهداء حماس وسمعوا خطابه. منذ وقت قصير كان المصريون ينعتون حماس منظمة إرهابية. ولكن اليوم أصبحوا يفضلون التقرب منها سيعا للتأثير فيها، وفي الوقت ذاته يشكلون “ذراعا بشرية” للآلاف في الجناح العسكري لحماس، بما في ذلك من أجل السنوار ذاته.
يشير المنطق إلى أن حماس ستستكفي بالإنجازات الكثيرة التي حققتها حتى الآن، وأهمها إستقالة ليبرمان من منصب وزير الدفاع، وستعمل على تهدئة الوضع من أجل الحصول على الشرعية مجددا، ضمان تدفق الأموال، ولكن عمليات حماس مرتبطة بتقديراتها لطبيعة الرد الإسرائيلي، وبتهديدات أبو مازن لفرض عقوبات إضافية على غزة، ما يصعب القيام به عندما تكون المنطقة مستعرة.
في حين كانت غزة منهمكة في الحرب، احتفلت السلطة الفلسطينية بالذكرى السنوية الـ 14 لوفاة عرفات. لم تشدد حماس على التوقيت، وهذا مؤسف: يتابع أبو ابراهيم (السنوار) طريق أبو عمار الحقيقية. في خطابه أمس عرض السنوار دمجا فلسطينيا كلاسيكيا لمجالي حقوق: الحق المفهوم ضمنا لتلقي الأموال، أي المساعدات الدولية، والحق في ممارسة العنف (“المقاومة”). إرث عرفات.