في هذه الأيام التي تقوّضَ فيها الأمن في الشارع الإسرائيلي قليلا، فإنّ المورد التلفزيوني الأكثر جذبا بالنسبة للكثير من الإسرائيليين هو: المسلسلات التلفزيونية الأمنية.
تتنافس شبكات التلفزيون الإسرائيلية بينها حول من تُقدّم للمشاهد الإسرائيلي مسلسل الإثارة الأفضل والأكثر إثارة بإيحاء من عمليات الموساد أو الشاباك.
قبل نحو نصف عام كان ذلك مسلسل “فوضى”، وهو مسلسل إثارة عن عمليات وحدة المستعربين التي يقودها الجيش الإسرائيلي في مدن الضفة الغربية للعثور على الإرهابيين وهذه المرة يجري الحديث عن مسلسل “مزدوجون”، المسلسل الذي غيّر قواعد اللعبة تماما سواء على مستوى الاستثمار الاقتصادي أو مراهنة السيناريو التي لا أساس لها من الصحة.
يتناول المسلسل قصة خمسة مواطنين إسرائيليين، والذين ليس بينهم ظاهريا شيء مشترك، باستثناء حقيقة أنّهم يحملون، بالإضافة إلى المواطَنة الإسرائيلية، جنسية أجنبية وجواز سفر أجنبي. في صباح أحد الأيام خلال عملهم الاعتيادي يكتشفون أنّهم متّهمون بالتورّط في عملية اختطاف أثارت العالم كله – عملية اختطاف وزير الدفاع الإيراني لدى زيارته السرية إلى موسكو في روسيا.
وبعد الاختطاف، تغطي عدسات الأخبار في جميع أنحاء العالم الحدث وهي تبثّ مقاطع فيديو من كاميرات المراقبة في الفندق الذي كان فيه. وتنسب الشبكات الإعلامية العالمية عملية الاختطاف إلى جهاز الموساد الإسرائيلي، وسرعان ما يتحوّل الإسرائيليون الخمسة إلى مطلوبين، ويتم كشف معلوماتهم الشخصية، بما في ذلك جوازات سفرهم وصورهم الشخصية، في التلفزيون ومن ثم تنشر في جميع وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم.
وتثير هذه التغطية الإخبارية التي لا تتوقف لدى الإسرائيليين الخمسة عاصفة علنية مليئة بالتوقعات والمشاعر المختلطة من قبل الجمهور. وكل محاولة منهم لنفي أية علاقة بالتورط في الأمر كانت عبثا. و تتنصّل الحكومة الإسرائيلية والموساد نفسه من أية علاقة بالأحداث والاتهامات، ويبقى الخمسة ليواجهوا كل هذه القصة وحدهم تماما، وإن كان سيُكتشف في نهاية المطاف بأنّهم لم يكونوا أبرياء.
عمل كاتب سيناريو المسلسل، المشاهد كثيرا في إسرائيل، في الماضي، كمراسل ومحلل للشؤون العربية في صحيفة “معاريف”، ولذلك فقد تعرّف جيدا على قضية المبحوح الذي كان أحد مصادر الإلهام في إطار كتابة المسلسل.
ويقول كاتب السيناريو ومبدع المسلسل عن عملية الكتابة إن المسلسل موجّه بداية إلى الجمهور الإسرائيلي، ويضيف “أدركنا أنّ هناك قوة جذب عالمية لذلك. ولكن أيضًا عندما فكرنا بجذب جمهور أجنبي، لم نعتقد أنّ المسلسل سيتم استقباله كما هو، وحرصنا على أن تُوقظ شخصياته في النسخة الإسرائيلية تضامن الجمهور المحلي. وقد أردنا أن نحكي قصة إسرائيلية حقيقية. فكانت نقطة البداية لدينا “ماذا كان سيحدث لنا لو”، ومن هناك ابتعدنا عن أحداث الواقع وطوّرنا ذلك باتجاه دراماتيكي… كل موضوع الجوازات المزدوجة هو ذي صلة بإسرائيل. حتى المشهد الافتتاحي للمسلسل الذي نرى فيه شابا يصل بين قطع سلاح مفكّكة أمام شخص بالغ، معروف للإسرائيليين”.
قبل خمس سنوات تقريبا، اغتيل في دبي أحد مسؤولي حماس، محمود المبحوح. وحينها لم تعترف إسرائيل مطلقا بشكل رسمي أنّها كانت تقف خلف عملية الاغتيال، ولكنها لم تنفِ ذلك أيضًا. وقد ربّت الجميع على كتف “الموساد الإسرائيلي”، وهو ما زال حتى اليوم يثير في بعض الأحيان مسلسلات الإثارة والحركة. أما من كان راضيا أقلّ عن ذلك فهم 11 شخصا، من بينهم بعض الإسرائيليين، والذين زوّرت جوازات سفرهم واستغل منفذي عملية الاغتيال أسماءهم. أبطال “المزدوجين” هم أشخاص كهؤلاء، وقد فازوا بـ 15 دقيقة من الشهرة رغما عن إرادتهم. ورغم أنّ الاغتيال كان لمسؤول إيراني وعلى أرض موسكو، ولكن القصة هي القصة نفسها.
وقد أشادت الانتقادات: “إنه مثير – وبخلاف مسلسلات عديدة أخرى، فالإثارة لا تأتي على حساب الحبكة، إنه مصنوع بشكل جيد – تماما من كافة الجوانب، وهو مثير للاهتمام ونجح في أن يكون مختلفا في مشهده، وهو يجتاز الامتحان الأكثر اعتبارا لمسلسل تلفزيوني: لن تشعروا كيف يمرّ الوقت عندما تشاهدونه”، هذا ما جاء في أحد المقالات النقدية في صحيفة “معاريف”.
وقد كانت نسب المشاهدة أيضًا مرتفعة جدّا. حظيت الحلقة الأولى من المسلسل بمعطى مرتفع بنسبة 30% من نسبة المشاهدة، واعتبرت كمسلسل ذات الإطلاق الأعلى منذ العام 2012. وقد حصلت الحلقة الأخيرة على 29.4% نسبة مشاهدة. ووصل معدّل نسبة المشاهدة لكل الموسم (8 حلقات) إلى 26.5% للحلقة. يعتبر “المزدوجون” مسلسل الدراما مع أعداد المشاهدين الأكبر منذ أي وقت مضى في إسرائيل.