إذا كنتم تسيرون في الشارع اليوم، وأوقفتم كلّ مارّ زائر وسألتموه عن الروابط التي تجول في رأسه حين يسمع عبارة “سلاح نووي”، كنتم بالتأكيد ستتلقّون ما لا يحصى من الأوصاف: “سلاح يوم القيامة”، “ناكازاكي وهيروشيما”، “الحرب العالمية الثانية”، “السباق الإيراني لحيازة السلاح النووي” وغيرها…
حتى اليوم تمّ إطلاق قنبلتَين ذريّتَين، كلتاهما بواسطة الولايات المتحدة، وأطلقتا على مدينتَين يابانيّتين، وكلتاهما في نهاية الحرب العالمية الثانية. ولكن في الـ 69 عامًا التي مضت كان هناك ما لا يقلّ عن 13 حالة حدثت فيها أخطاء مختلفة كادت ستؤدّي إلى إطلاق السلاح النووي، تقريباً. يعدّد أحد التقارير التي نشرت من قبل معهد العلاقات الدولية في لندن “Chatham House” جميع هذه الحالات ويحذّر من العواقب الكارثية التي يمكن أن تنجم عن سوء الاتصال، المشاكل التقنية وسوء الفهم للوضع بالنسبة لبعضهم.
كان استنتاج معدّي التقرير أنّ خطر إطلاق السلاح النووي عن طريق الخطأ أعلى من التقديرات حتّى الآن، وهذا الخطر يزداد فحسب. كتبوا: “قرارات الأفراد فقط، أحيانًا بانتهاك البروتوكول والتوجيهات السياسية، هي التي منعت في بعض الحالات إطلاق القنابل الذرّية”. ولكنّ تفصيل الحالات ليس أقلّ أهمّية عن استنتاج الباحثين البريطانيّين، وفي هذا التفصيل تظهر أيضًا إسرائيل كدولة كانت على عتبة إطلاق السلاح النووي.
الحالة الإسرائيلية
في أكتوبر 1973، خلال حرب تشرين، اقترح وزير الدفاع حينذاك، موشيه ديان، على الحكومة الإسرائيلية والتي تقف على رأسها، جولدا مائير، استخدام الخيار النووي. تم الكشف عن كلام ديّان في اجتماع طوارئ للحكومة الإسرائيلية، في اليوم الثاني للحرب، قبل نصف عام في تقرير تحقيقي واسع في صحيفة “يديعوت أحرونوت”. وقد حدّث التقرير البريطانيّ هو أيضًا ما يتعلّق بذلك الاجتماع وادّعى أنّ ديان طلب دراسة “إعداد القوّات النووية لإسرائيل لإظهار القوة النووية”، وقدّم هذا الاقتراح غير المسبوق بعد خروج رئيس الأركان في تلك الفترة دافيد إليعيزر. عارضت جولدا مائير وسائر المشاركين في الاجتماع ذلك، وسقط الخيار.
أخطاء مصيرية
سبقت هذه الحالة أربعُ حالات من إطلاق الأسلحة النووية، في غضون شهرين أواخر عام 1962، أيام أزمة الصواريخ الكوبية. في تشرين الأول من ذلك العام، تمركزتْ أربع غوّاصات سوفييتية شمال المحيط الأطلسي. حذّرتْ سفن حربية أمريكية الاتحاد السوفياتي بأنّها ستجري تدريبًا في المنطقة وستطلق قنابل ضدّ الغوّاصات، ولكن بسبب سوء الاتصال لم تصل الرسالة للغوّاصات. ظنّ هؤلاء أن الأمريكيين يهاجمونهم وأمر أحد قادة الغوّاصات بإطلاق السلاح النووي: “سنفجّرهم الآن”. منع تدخّل نائبه تحويل الحرب الباردة إلى حرب عالمية ثالثة.
في 27 من تشرين الأول، كان الحدّ الأقصى من أزمة الصواريخ، فقد كانت كلّ من بريطانيا والولايات المتحدة على عتبة إطلاق قنبلة ذرّية، وحينها أيضًا كان سوء الاتصال من بين العوامل التي أدّت إلى تسخين الوضع. بعد شهر من ذلك أدّى إنذار كاذب إلى تجهّز الاتحاد السوفياتي لإطلاق السلاح النووي. تكرّرت هذه الحالات في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات. عام 1979، أشار نظام الإنذار الأمريكي إلى إطلاق سلاح نووي من قبل السوفييت. لاحقًا فقط اتّضح أنّه ظلّ في المنظومة تسجيل من تدريب، وهو الذي أدّى إلى إثارة الرعب إلى هذا الحدّ.
وقد ذكرت صحيفة “غارديان” البريطانيّة حالة أخرى، من أيلول 1983. حينها تعرّف قمر صناعي سوفياتي ما يفترض أنه صواريخ باليستية عابرة للقارّات وقد أطلقتْ نحو الاتّحاد السوفياتي. تصرّف الضابط السوفياتي الذي كان مسؤولا عن الرقابة والإشراف بخلاف التعليمات ولم يبلّغ عن الحادث للمسؤولين عنه، حيث راهن أنّه إنذار كاذب. اتّضح بعد ذلك أنّ ضوء الشمس الذي لمع من الأراضي الأمريكية كان قد أربك القمر الصناعي.
أخطاء بشرية كادت تؤدّي إلى محرقة نووية
يشرح معدّو التقرير أنّ خطر حدوث الخطأ الفادح يرتفع فقط عقب مشاركة كوريا الشمالية، الدولة المعزولة عن العالم، إلى النادي الذرّي، وعلى خلفية بطء عملية تفكيك السلاح النووي في دول أخرى. لدى روسيا والولايات المتحدة نحو 1,800 رأس نووي على أعلى الاستعداد، معد للإطلاق خلال 5 حتى 15 دقيقة، وهذه حقيقة ذات صلة الآن أكثر من أيّ وقت مضى، حيث إنّ التوتّرات في أوكرانيا لم تتبدّد بعد.
بالإضافة إلى أنّ الحالة النفسية لبعض القادة المسؤولين عن الحقيقة النووية يزيد أحيانًا من التخوّف. قلق مساعدو ريتشارد نيكسون وبوريس يلتسين بسبب ولعهم بالكحول. في أيار عام 1981 ترك الرئيس الفرنسي المنتخَب حينذاك، فرنسوا ميتيران، الرمز الخاص بإطلاق السلاح النووي في منزله، في جيب البدلة. وقد جرى في سنوات السبعينات حدث مماثل لجيمي كارتر، وتم أخذ البدلة مع الرمز إلى التنظيف الجافّ.
تبيّن أنّه خلافًا لما نعرفه نحن – الناس العاديّون – ونفهمه، فإن الأخطاء، التشدّد وفقدان الاتصال بين الرتب العسكرية والسياسية قد تؤدّي بسهولة إلى إزالة شعوب كاملة من على وجه البشرية في غمضة عين. وفي الوقت نفسه أيضًا لا يبدو أنّ هناك بدائل ملائمة للتأمين والسيطرة على الخطوات وعمليات اتخاذ القرارات في إطلاق السلاح النووي، لذلك لعلّه من المفضّل إيقاف سباق التسلّح النووي من الآن، وخير البرّ عاجله.