خلافًا للمتوقع، أتى الخرق الجدي الأول للهدنة التي يسري مفعولها منذ ليل الإثنين من الحدود مع إسرائيل – الجبهة الأكثر هدوءًا وهامشية بين ميادين المعارك في سوريا. ردّت إسرائيل كالعادة على الخرق السوري، المتكرر في الآونة الأخيرة، لتُفاجَأ بردّ غريب من جانب نظام الأسد: إطلاق صواريخ على طائرات سلاح الجوّ الإسرائيلي.
لم تُصب صواريخ أرض – جو السورية هدفها، حتى إنها لم تشكّل خطرًا فعليًّا على الطائرات الإسرائيلية كما يبدو. لكنّ هذا لم يمنع الإعلام السوري من التفاخُر بنجاح عسكري كبير تمثّل بإسقاط طائرة إسرائيلية وطائرة دون طيّار. ورغم أنّ الكذبة السورية وُجهت بالتشكيك حتى في العالم العربي، فإنّ على حكومة نتنياهو أن تراجع الآن سياستها وردودها على التعقيد الناتج. ألم يتبلور هنا نمط سلوك، نهايته تعرُّض إسرائيل لخطر أملت عدم التعرّض له؟ وما هي الرسالة التي تحاول الحكومة السورية نقلها، في اليوم نفسه الذي نجحت فيه روسيا في الترتيب لهدنة يُتوقَّع أن تضمن استمرار حكم الدكتاتور السوري لفترة من الوقت؟
ليست إسرائيل طرفًا في الحرب الدائرة على الجانب السوري من حدودها في هضبة الجولان. في الأسبوع الماضي، بدأت تنظيمات المتمردين بهجوم موضعيّ يهدف إلى إبعاد قوّات الأسد وميليشيات مناصرة للحكومة، بينها ناشطون من حزب الله، من بلدة القنيطرة الجديدة ومن مواقعها في قرية الخضر الدرزية المجاورة، شمالًا وشرقًا باتجاه دمشق. تُعتبَر المنطقتان مجاورتَين للقسم الشمالي من الحدود مع إسرائيل (لا تواجُد للجيش السوري على الحدود، بل فقط على بُعد نحو نصف كيلومتر منها).
تردّ القوّات النظامية بقذائف مدفعية وقذائف هاون. لكنّ هذه القذائف ليست دقيقة، ما يؤدي إلى دخولها أراضي إسرائيل أحيانًا. فقد سقطت قذائف على الشارع قرب مستوطَنة إسرائيلية وقربَ بلدة مجدل شمس. ليس هامش الخطأ كبيرًا. فأحد مراكز قيادة الثوار موجود في مبنى كبير داخل غابة، قريبًا جدًّا من الحدود مع إسرائيل. لذا، لا عجب أن تنزلق قذائف النظام في ظروف كهذه إلى الأراضي الإسرائيلية.
في بضع حالات في الأسبوع الماضي، ردّ الجيش الإسرائيلي على حوادث كهذه بهجمات جوية على مراكز سورية. وفي الحالة الأخيرة، ردّ السوريون على الهجوم الجوي بإطلاق صواريخ أرض – جوّ. يُعتبَر إطلاق الصواريخ استفزازًا خطيرًا من جانب النظام، لكنه لا يُشير بالضرورة إلى وضع حرِج نتج قرب الحدود، أو إلى مصلحة للأسد بالاصطدام مع إسرائيل. يُرجَّح أكثر أنّ هذا كان عرض عضلات لأهداف إعلامية، وأنّ الإعلان الكاذب للنظام هدفه حماية كرامته مقابل ما يعتبره إذلالًا إسرائيليًّا.
كما هو معلوم، يُعتبَر الجولان ساحة ثانوية في الحرب السورية الكُبرى. فيوم أمس (الثلاثاء)، لدى مراقبة مواقع المعارك قرب البلدة الدرزية بقعاثا في الجانب الإسرائيلي من الحدود، كان يمكن بسهولة تمييز إطلاق قذائف من مواقع النظام إلى قرية جباتا الخشب، حيث المواقع المتقدمة للمعارضة. ويريد الثوّار، منذ فترة طويلة، توحيد قوّاتهم جنوبي الجولان ووسطه في مقاطعة أخرى تابعة لهم، في منطقة بيت جن شرق جبل الشيخ، تشكّل خطرًا أيضًا على شارع القنيطرة – دمشق. فيما يريد النظام الإبقاء على هذا الممرّ مفتوحًا لتحقيق أهدافه، كما يرغب الأسد وحزب الله في منع تقدّم التنظيمات السنية المعارِضة إلى الجهة الجنوبية من الحدود السورية – اللبنانية، بشكلٍ قد يُتيح للثوّار تحدي حزب الله في عُقر داره.
قد يدلّ استمرار القذائف في الجولان، الذي تابعته أمس أيضًا قوة الأمم المتحدة لفض الاشتباك (الأوندوف)، من مسافة آمنة في أراضي إسرائيل، على الحاجة إلى “مسافة كبح” – وقت تأقلُم للأطراف المقاتلة بعد فترة طويلة جدًّا من المعارك. مع ذلك، من التفاصيل القليلة التي نُشرت في شأن الاتفاق الروسي – الأمريكي، يبدو أنّ القوّتَين العظميَين ستدرسان الهدنة خلال الأيام القادمة. وإن نجحت، ستقرّران القيام بهجوم مشترَك على أكثر تنظيمات الثوّار تشدّدًا، جبهة النصرة وداعش (الدولة الإسلامية). ويؤدي هذا التوجُّه بالتنظيمات المتطرفة إلى مواصلة القتال وجرّ الفصائل الأخرى إلى جانبها، لكي لا تبقى وحدها مستهدَفة من القوى العظمى.
من وجهة النظر الإسرائيلية، من المهمّ أن يشمل وقف إطلاق النار الذي أُعلِن في أرجاء سوريا الجولان أيضًا. وفي حين أنّ الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تراجعت عن خطوط حمراء وضعتها في سوريا، يُشَكّ أنّ في وسع إسرائيل أن تضبط نفسها إذا وصلت القذائف إلى أراضيها في الجولان. لكنّ نمط الردّ الذي أصبح شبه آلي في الأسبوع الماضي، هناك أيضًا خطر الانزلاق إلى تدهوُر. فإذا أُطلقت صواريخ مجدّدًا نحو الطائرات الإسرائيلية، فستنشأ حاجة إلى رفع هذا الخطر عن الطائرات. لهذا السبب، ليست المواجهة المباشرة مستبعَدة.
تم نشر هذا المقال لأول مرة في صحيفة هآرتس.