بعد فشل الجهود الديبلوماسية، وإخفاق الوساطات الأجنبية لإيجاد مخرج سياسي للأزمة السياسية التي تمر بمصر على خلفية الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا عدلي منصور رئيسا موقتا لمصر في المرحلة الراهنة، يخوض الجيش المصري، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، حربا عنيفة لفضّ اعتصامات الإخوان المسلمين في الميادين المصرية.
ويبدو أن السيسي هو رجل الساعة في مصر، فهو الذي يمهل، وهو الذي يعزل، وهو الذي يعيد اليوم قبضة الجيش المصري على البلاد، فمن هو السيسي؟
عُيّن عبد الفتاح السيسي، 58 عامًا، في آب 2012، وزيرا للدفاع في مصر. وادّعى معارضوه الكثيرون أن تعيينه جاء على خلفية علاقاته الجيّدة بـ”الإخوان المسلمين”، ادّعاء نفته مرارا الجهات السياسية التي عينته في منصبه. واليوم يبدو أن هذا الادعاء لا يمت إلى الواقع بصلة، فالسيسي هو الذي يحارب الإخوان المسلمين بلا هوادة، ويذكّر أكثر من غيره بقيادة عبد الناصر التي زجّت بالإخوان في السجون وحظرت عملها السياسي.
وقت تعيينه (بعدما عزل الرئيس مرسي سلفه في المنصب، محمد حسين طنطاوي) كان السيسي الأصغر سنا بين أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولم يكن يكثر من الإطلالات الإعلامية مقارنة بغيره من الأعضاء، ما جعله مجهولا نسبيًّا بالنسبة للجماهير. رغم ذلك، برز اسم السيسي بعد الثورة التي أطاحت بمبارك إثر معارضته الشديدة للتعامل بعنف مع المتظاهرين والموقوفين.
في الأشهر التي مرت منذ تعيينه رئيسًا للمجلس العسكريّ ووزيرًا للدفاع، حافظ الجنرال على السرية – فلم يبرز كشخصية عسكرية ذات نفوذ، وعُرف بالأساس بابتساماته وخطاباته التي لامست مشاعر سامعيه. لكنه بعد ثورة 30 يونيو، قلب الأمور رأسا على عقب، وأصبح محبوب الجماهير لحظة إعلانه في التلفزيون الحكومي أنّ “مرسي لم يعُد رئيسًا”، واليوم أصبح أقوى شخصية في مصر، حتى أن التعيينات الأخيرة التي قام بها عدلي منصور للمحافظات المصرية امتازت بتعيين ضباط جيش وشرطة، ما وصفه بعض في مصر أنه عسكرة مصر من جديد.
وُلد السيسي في القاهرة عام 1954، وتخرج من الكلية الحربية المصرية عام 1977. بعد ذلك، خدم في الجيش، وترقى في الرتب في سلاح المدفعية المصري. ورغم افتقاره إلى أية خبرة فعلية في المعارك، فقد تولى منصب مدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع في وزارة الدفاع المصرية، وكان كذلك مندوبًا للجيش المصري في السعودية.
عندما عاد، عُيّن قائدًا للقوات في شمال مصر، في الإسكندرية، ثم رئيسًا للأركان. بعد تعيينه وزيرًا للدفاع، تساءل محللون عديدون في مصر عن علاقته بالإخوان المسلمين، وادّعوا أن زوجته منقبة، وأنه وكيل للإخوان في الجيش. وذكر زملاؤه الذين درسوا معه في دورة حرب في كلية الجيش الأمريكي في بنسلفانيا، أن الرجل “متزمت جدا”، وأنه كان يهمه أن يبرهن في كل مناسبة أنّ كونه مسلما مهم جدا بالنسبة إليه، وأنّ الإسلام بالغ الأهمية في حياة أسرته”.
وقد أوضح السيسي خلال لقاءاته مع سياسيين أجانب أنه ليس محسوبا سياسيا على أي حزب مصريّ، وأنه ليس رجل سياسة، وليس عضوا من أعضاء الإخوان المسلمين، إنه ببساطة رجل متدين.
وشارك السيسي، الذي درس في واشنطن أيضًا، في عدد من المؤتمرات العسكرية في الولايات المتحدة، وأدار مناورات عسكرية مشتركة مع الجيش الأمريكي خلال السنوات الأخيرة. وتتحدث الصحافة المصرية مرارا عن علاقاته الممتازة بنظرائه في الغرب على المستوى العسكريّ.
وكسب السيسي الكثير من المؤيدين إثر قيادته للثورة الثانية في أقل من عامَين ونصف على بدء الربيع المصري. ولكن هل يحافظ حامي الثورة المصرية ومصحح مسار ثورة 25 يناير، على الثقة التي منحها المصريون له حين أطاح بمرسي وبجماعة الإخوان، فقد بدأت جهات علمانية وليبرالية في مصر تحذّر من أن السيسي يعيد قبضة الجيش والأمن على مفاصل الدولة، مثل أيام مبارك والسادات وعبد الناصر.
وتقف مصر اليوم أمام مرحلة خطيرة، فمن جهة تسعى الدولة إلى إعادة الحياة الطبيعية إلى الشوارع المصرية والخروج من مرحلة الركود السياسي، إلا أنه كلما ازداد العنف وعدد القتلى والجرحى خلال فضّ الاعتصامات في الميادين المصرية، ستنزلق مصر نحو عدم الاستقرار وعدم الثقة بقيادة السيسي والجيش.