مع مرور عام على وضع طائرات روسيا الحربية في منطقة القتال في سوريا، أوردت الصحيفة الروسية “إزفيستيا” في نهاية الأسبوع أنّه قد تم مؤخرا تعزيز أسراب الطائرات في مدينة اللاذقيّة، غرب سوريا، بقاذفات سوخوي 24 و 34 إضافية. جاء هذا التعزيز للبلاد الممزقة بموازاة القصف الجوي المستمر لقوات الجيش الروسي في معاقل الثوار في مدينة حلب، حيث محاصر فيها نحو ربع مليون إنسان. يدخل وجود الجيش الروسي في سوريا عامه الثاني في ظل توتر متزايد بين روسيا وواشنطن وقائمة إنجازات جزئية. والآن تنتظر موسكو، وسائر العالم، معرفة من سيحل مكان الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض – وماذا ستكون السياسة الخارجية للرئيسة أو الرئيس القادم.
في الأسبوع الماضي استمر وزير خارجية الولايات المتحدة، جون كيري، بتهديد روسيا محذرا أنّه إذا لم تتوقف موسكو ومن ترعاه، نظام الأسد، عن قصف حلب – ستتوقف الولايات المتحدة فورا عن التعاون مع روسيا في كل ما يتعلق بسوريا. حتى الآن، يتضح أنّ هذا التهديد لا يترك انطباعا كبيرا في موسكو. تستمر روسيا بالادعاء أنّ الغرب هو المسؤول عن تداعي وقف إطلاق النار، لأنّه لم يفرض على الثوار قبول شروط اتفاق تقليل العنف في سوريا، الذي تم إنجازه قبل أربعة أسابيع ولم يصمد.
قبل عام، حذّر الرئيس الأمريكي باراك أوباما الروس عن الاستمرار في الهجوم بسوريا موضحا أنه قد يؤدي إلى أن “يعلقوا في رمال متحركة ولن ينجحوا في الخروج منها”. في المقابل، قبل نصف عام أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّه أمر بانسحاب قواته من سوريا، بعد أن أنجزت أهدافها المحددة. ولكن روسيا لم تسحب كامل قواتها أبدا. مَن مِن الرؤساء قال الحقيقة؟
من أجل اختبار نجاح التدخل الروسي في سوريا، يجب أولا محاولة فهم ما الذي سعى الكرملين إلى إنجازه في البداية. لقد كان هدفه المعلن هو “محاربة الإرهاب الإسلامي”، مما اعتُبر أمرا سخيفا على ضوء حقيقة أنّه وفقا للتقديرات، فإنّ نحو 85% من الهجمات الجوية للجيش الروسي لم تكن موجّهة ضدّ أهداف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وإنما ضدّ تجمعات سكانية في الأراضي التي يسيطر عليها ثوار معتدلون جدا، ويعمل بعضها بدعم غربي. وما زالت الحملة الروسية تشكّل جزءا من استراتيجية إبعاد خطر الإرهاب الإسلامي عن حدود روسيا.
وهناك هدف آخر نجح الكرملين في تحقيقه وهو كما ذُكر آنفًا، إنقاذ نظام الأسد. قبل عام، عندما نجحت تنظيمات الثوار بالتقدّم في عدة جبهات رئيسية، بدا أنّ نظام الرئيس السوري بشار الأسد على وشك الانهيار. فقد ساهمت مشاركة روسيا في القتال في استقرار الجبهات وضمان بقاء النظام، على الأقل، في منطقة دمشق وفي المحافظات الساحلية على البحر المتوسّط، حيث تقع فيها أيضًا القواعد الرئيسية التي ترغب روسيا في الاستمرار بامتلاكها، لاستخدامها موطئ قدم استراتيجي في الشرق الأوسط. وقد نجح بوتين أقل في تحقيق هذه الأهداف.
ومع ذلك، لم يعتبر إنقاذ نظام الأسد دعما ملحوظا لقوات الجيش السوري على الأرض. صحيح أنّ موسكو قد وفرت سلاحا ومستشارين عسكريين، ولكن ميدانيا، من الصعب أن نرى انتعاشا كبيرا للجيش الذي كان يعتبر جيشا كبيرا ومجهّزا تجهيزا جيدا. ارتكز جيش الأسد حتى الحرب على مجنّدين في الخدمة الإلزامية وعلى مجموعة واسعة من الضباط المحترفين في الخدمة الدائمة. ولكن تدهورت عظمة هاتين المجموعتين تماما في السنوات الخمس الأخيرة – وأصبح تجيند جنود جدد صعبا. أصبحت موسكو خائبة الآمال ليس فقط من عدم قدرة جيش الأسد على التعافي، وإنما أيضًا من الجودة المنخفضة لقوات الحلفاء الشيعة لسوريا في ساحة المعركة. وهذه القوات هي في الأساس ميليشيات من “المتطوعين” من أفغانستان والعراق، والذين تم تجنيدهم من قبل الحرس الثوري الإيراني. ولكن في الجبهة، يجدون صعوبة في مواجهة الثوار الأكثر خبرة بكثير بعد سنوات من القتال على أرض الوطن. العنصر الاحترافي الوحيد في الجبهة الشيعية الذي يعمل لصالح نظام الأسد هو حزب الله، الذي يركّز معظم قواته اليوم للدفاع عن المناطق القريبة من الحدود مع لبنان وممر المرور إلى دمشق. بالإضافة إلى ذلك، اضطرت روسيا إلى الاعتراف بمحدودية قوتها الجوية، والتي لا يمكنها من دون قوات برية كبيرة (والتي تفضل روسيا عدم المخاطرة بها في سوريا)، تحقيق سيطرة على الأرض.
85% من الهجمات الجوية للجيش الروسي لم تكن موجّهة ضدّ أهداف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وإنما ضدّ تجمعات سكانية سورية
إنّ استثمار روسيا في سوريا لم يثمر فائدة في ساحة أخرى هامة لبوتين. فقد أمل بوتين أن يستطيع إنشاء حلف مع الغرب في القتال ضدّ داعش بسوريا، وفي المقابل، أن تخفف عنه الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي كل ما يتعلق بالغزو الروسي لشرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، بل أن يخفّضان عقوباته الاقتصادية. ليس فقط أن ذلك لم يحدث، وإنما صعّبت الخلافات المتزايدة حول سلوكه في سوريا على الغرب أن يتنازل لصالحه في أوكرانيا.
اختبار كلينتون وترامب
كانت كل محاولة لتوقع ماذا سيكون دور روسيا في سوريا في السنة الثانية من تدخلها تؤول إلى الفشل. حتى الآن، من الأسهل اختبار كيف ستتعامل الإدارة الأمريكية مع سوريا. بقيت أمام كيري عدة أشهر فقط لشغل منصب وزير الخارجية، ومن الصعب رؤيته ينفّذ تهديداته بـ “قطع الاتصال” بروسيا. لم ييأس وزير الخارجية الأمريكي أبدا وبالنسبة له، فكل صراع سيبقى دائما قابلا للحل. ولكن مع ذلك، ليس هناك سبب في أن نقدر أنّه سيحقق نجاحا ما في هذا الوقت القليل الذي تبقى لديه. أصبح الروس، كبقية الأطراف المتحاربة في سوريا، إضافة إلى بقية العالم، ينتظرون اكتشاف من سيحل مكان أوباما في البيت الأبيض.
https://www.youtube.com/watch?v=Q5KDFoETYmE
عندما شغلت المرشّحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، قبل كيري، منصب وزيرة الخارجية، كانت في الجانب “الناشط” للإدارة، دعمت توفير أوسع للأسلحة لتنظيمات الثوار. لم يتم قبول موقفها آنذاك وإذا تم انتخابها كرئيسة، من الصعب أكثر تعزيز سياسة نشطة في العام 2017 لسببين رئيسيين: أولا، صعود داعش كجهة رئيسية في سوريا يصرف انتباه المواطنين الأمريكيين عن قتال الأسد، ثانيا، يحدّ الوجود الروسي في سوريا جدا من العمليات التي يمكن للولايات المتحدة أن تنفذها في سوريا من دون التعرّض لمواجهة الكرملين. الخطوة الأهم التي يمكن أن تقوم بها الولايات المتحدة من أجل المواطنين السوريين الواقعين تحت النيران هو أن تفرض على روسيا ونظام الأسد منطقة حظر طيران فوق مناطق القتال الرئيسية – حلب وإدلب. إنّ القوات الجوية التي تمتلكها الولايات المتحدة اليوم في سوريا أكبر وأقوى من القوات الروسية. إذا أرادت واشنطن أن تفرض إرادتها في سماء سوريا – يمكنها القيام بذلك، ولكن هذا يعني مواجهة مثيرة بينها وبين الكرملين.
في المقابل، لا يبدي المرشّح الجمهوري، ترامب، تعاطفا كبيرا، تجاه المواطنين السوريين. إنه يعتبرهم بشكل أساسيّ جحافل من المهاجرين المسلمين المحتملين الذين يهدّدون بالوصول إلى سواحل الولايات المتحدة. في مقابلة أجراها في السنة الماضية مع الـ CNN، قال ترامب “قد يكون الأسد الأفضل لنا؟ نحن لا نعرف من هم هؤلاء الثوار. إننا نعطيهم سلاحا وذخيرة. نعطيهم كل شيء. ربما هم أسوأ من الأسد. لماذا نختار التدخل في سوريا أساسا؟”. إنّ سياسة ترامب تجاه سوريا، كما يمكن أن نفهم من تصريحاته حتى الآن، تتوافق تماما مع نهج الكرملين. بالنسبة له، من يمسك بندقية فهو إرهابي محتمل، لذلك من المُفضّل الاعتماد على الأسد.
ورغم الأهمية الكبيرة لسوريا بالنسبة للكرملين، فقد كانت ولا تزال ثانوية بالنسبة للمصلحة الاستراتيجية العليا الروسية – وهي السيطرة على الدول التي على حدودها. ولكن بما أن دول البلقان، بولندا والنرويج، هي أيضا دول عضو في حلف شمال الأطلسي – فمن السهل أكثر على بوتين أن يختبر ردود فعل الغرب بعيدا عن بلاده، في سوريا التي هي بالمجمل “دولة يرعاها”، وتعتبر زبونا يمكن التخلي عنه. سيتم اختبار الإدارة الجديدة لواشنطن منذ الأسابيع الأولى في سوريا.
نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”