منذ زمن طويل لم يكن هناك حدث قد هزّ عالم المسرح في إسرائيل. استثنائيًّا، تدخّل وزارة التربية، نفتالي بينيت، في قرار لجنة تحديد مضامين سلة الثقافة التابعة لوزارة التربية، وبخلاف قرارها أعلن عن أنّه سيلغي من السلّة أيضا عرض “الزمن الموازي”، الذي يستند إلى قصة وليد دقة، وهو أسير فلسطيني حُكم عليه بالسجن مدى الحياة في السجون الإسرائيلية في أعقاب اختطاف، قتل والاعتداء على الجندي الإسرائيلي موشيه تمام المتوفي عام 1984، بالمشاركة مع أعضاء خلية “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”.
يحكي العرض قصة الأسير، الذي يحاول أن يبني عودا في السجن قبيل زواجه القريب. في حين أن أعضاء اللجنة قد وافقوا على العرض، بعد مشاهدته، حيث لم يجدوا فيه “أي شيء عدواني، مهين أو محرّض”، استخدم وزير التربية صلاحياته وألغى العرض من سلة الثقافة، وقال “لن يرى أطفال إسرائيل عرضا يعبّر عن التسامح تجاه قتلة اليهود”.
ومن المهمّ التأكيد أنّ القرار لا يعني إلغاء استمرار عرض المسرحية، وإنما تقرّر عدم عرضها أمام أطفال يتعلّمون في مدارس تابعة لوزارة التربية وبتمويلها. ومع ذلك، أثار القرار انتقادات حول الإسكات الحادّ لحرية التعبير. وقال عدنان طرابشة، مدير مسرح الميدان في حيفا، والذي تأسس من قبل الدولة عام 1994 ويعرض منذ ذلك الحين مسرحيات بالعربية، إنّ قرار بينيت ليس مفاجئا، وإنّ “جميع قراراته تبحث عن التقييمات من أجل تعزيز الكراهية بين العرب واليهود – دون أن يرى العرض، وخرج ضدّ جميع المهنيين، لكتم الأفواه”.
وقال بشار مرقس، كاتب العرض ومخرجه، في مقابلة خاصة مع “هآرتس” إنّه يخشى من آثار هذا القرار على حرية التعبير والثقافة، وأدرك في أعقابه معبرا “أنا لا أعيش في دولة ديموقراطية، لأنّ هذه الدولة تقول لي “بشار، لا يمكنك أن تقول ما تريد”.
في المقابل، أيّد أعضاء كنيست من اليمين هذا القرار، بل وتوجّهوا إلى أسرة الجندي الذي قُتل، وباركوا لهم على إلغاء العرض. في وقت سابق رحّب ممثّلو العائلة بقرار بينيت واصفين إياه بأنّه “خطوة أخلاقية وملتزمة”، وأنّه عرض “مستوحى من قاتل حقير وكُتب من قبل من يرونه بطلا ويتناولون شخصيّته بتعاطف”.
وتنقسم آراء الشعب الإسرائيلي حول الموضوع، وهناك الكثيرين ممّن يتداولون هذه القضية. فمن جهة، حقّا إنه مسّ كبر بحرية التعبير، وتدخّل في التربية الثقافية للسكان العرب في إسرائيل. ومن جهة أخرى، فإنّ دخل العرض إلى سلّة الثقافة هذا يعني التمويل من قبل وزارة التربية، على حساب أموال مواطني إسرائيل، ومن بينهم أسرة الجندي وآباء وأمهات ثكالى آخرين. ولكن هل من المناسب إلغاء عرض دون مشاهدته؟ ومن جهة أخرى، هل من المناسب عرض مسرحية تعرض إيجابيًّا أحد الأشخاص مع التجاهل التامّ للأعمال الفظيعة التي قام بها سابقا؟
في الواقع، فإنّ المسألة معقّدة وليست هناك إجابة واحدة عن السؤال. ولكن الخشية الكبرى لدى الكثيرين في إسرائيل هي أن يكون ذلك توجّها لكتم الأفواه، وبداية لسيطرة الحكومة اليمينية المتطرّفة على الثقافة في إسرائيل. والآن يجب على وزيرة الثقافة، ميري ريغيف، ووزير التربية، نفتالي بينيت، أن يثبتا للشعب في إسرائيل أنّهما سيحافظان على الديموقراطية وعلى حرية التعبير حتى في الحالات التي لا تتفق مع نظرتهما إلى العالم. وبقي لنا فقط أن نأمل بأن يكون هذا هو الوضع.