لا حديث عن الجنس والحياة الجنسية في المجتمعات الدينية، وهذه في الواقع حقيقة معروفة. الخصوصية هي اسم اللعبة. ولكن في السنوات الثلاث الأخيرة يبدو أن الشارع اليهودي – الحاريدي يجتاز ارتجاجا وتغييرا في شكله.
تُنشر فضائح اغتصاب أطفال ورجال وفتيات بشكل أساسيّ من حين إلى آخر في الإعلام. يصدُم كل خبر عن حاخام أخذ على عاتقه مسؤولية الاعتداء الجنسي على تلاميذه أو تلميذاته، هذا المجتمع الصغير والمغلق، فورا. وغالبا لا يكون هناك اهتمام حقّا، ويتوجهون لطلب المشورة من الحاخام الرئيسي في المجتمع، بهدوء، دون أي تدخّل مهني. في العديد من الحالات، ينصح الحاخام الضحية بتأدية صلوات التكفير والإكثار من الاستغفار ومحاولة فهم نفسها لماذا “استحقّت هذا العقاب الإلهي”. ليس هناك اعتناء مناسب بالضحية ولا تصدر عقوبة جنائية ضد المعتدي أو ملاحقته.
لا تزال مؤامرة الصمت في المجتمع الحاريدي حول فضائح الاعتداء الجنسي على النساء والأطفال بعيدة عن التلاشي. وقد أدركت السلطة التنفيذية والقانون أنّ من أجل مواجهة هذه الظاهرة يجب أولا اجتياز عقبة حاخام المجتمع، والذي حظر على الضحايا أكثر من مرة تقديم شكوى. بدأت الشرطة بالتعاون مع الحاخامات، ونُشر مؤخرا أن قاضي إحدى المحاكم في تل أبيب، توجّه في خطوة استثنائية إلى زعماء المجتمع الحاريدي وطلب منهم ألا يعالجوا بأنفسهم حالات الاعتداء الجنسي.
الحصول على المساعدة عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ
تهددنا حالات “الصمت، السذاجة والجهل كثيرا، عندما نواجهها، لأنها تُستخدم بشكل مريح من قبل المعتدين ولا يتم تعريفها ومعالجتها”، هذا ما كُتب في صفحة الفيس بوك الفريدة من نوعها “لا للصمت”، والتي افتُتحت قبل نهاية شهر تشرين الأول من هذا العام، وهي تسعى إلى تقديم منصّة لضحايا الاعتداءات الجنسية في المجتمع الحاريدي. “نأمل أن تشاركونا وتساعدونا جميعا على ألا نصمت. إذ يشكل هذا إنقاذًا للأرواح”. ومنذ افتتاحها نشرت الصفحة بعض الشهادات مجهولة الهوية حول حالات اعتداء جنسي أو استغلال جنسي تمت في الوسط الحاريدي، ضد النساء والرجال على حد سواء.
الشهادات في الصفحة قاسية وتكشف أكثر من مرة عن قلة الحساسية التي يظهرها الحاخامات أحيانا، والأقرباء والأصدقاء الذين لا يكونون مدركين لحجم الضائقة وتأثير الصدمة في المستقبل على المعتدي عليه.
كتبت شابّة تم اغتصابها من قبل شخص اقتحم منزل عائلتها: “ذهبنا في اليوم التالي إلى الحاخام. أخبره أبي ملمحا عن الواقعة، ولن أنسى أبدا نظرة الحاخام الخائفة والقلقة. فقال بعض الأمور، وسألني كيف أشعر، أجبت أنني شعوري لا بأس، وحينها تلقّيت محاضرة قصيرة ومقلقة، والتي طُلب مني فيها أن أتمسّك قليلا بالاحتشام، أن أحاسب نفسي لماذا حصل لي ذلك…”
المجتمع الحاريدي هو مجتمع مغلق. قد يهز كل تغيير في موضوعات الاحتشام والحياة الجنسية النسيج الاجتماعي الحساس. يعثر الكثير من النساء الشابات على أزواجهن المستقبليين بواسطة وساطة الزواج. قد يدمر كل شكّ أو إشاعة عن اعتداء جنسي مرت به فتاة أو أخرى حلمها بالزواج وبناء أسرتها.
ومن ثم يتم استقبال خطوة تأسيس صفحة الفيس بوك من قبل الكثيرين بالمعارضة. ولكن يوضح مؤسسو الصفحة أنّه ليس هناك مجتمع خالٍ من الاعتداءات الجنسية. عندما يصمت المجتمع، فإنّ المعتدي يستمر بالاعتداء. في الواقع، تنشئ صفحة الفيس بوك مجموعة دعم. وفي هذا السياق، فإنّ القوة الاجتماعية لمواقع التواصل الاجتماعي كبيرة جدا.
اختراق حاجز الصمت
يقف خلف تأسيس الصفحة ستة شبان وشابات حاريديين التحقوا بالدراسة الأكاديمية، ومن بينهم طلاب علم النفس وعلم الإجرام. قالت مؤسسة الصفحة والمبادرة إليها لوسائل الإعلام إنّ كل شيء بدأ صدفة. قالت إنها حاولت أن توضح نقطة مهمة بواسطة منشور نشرته في الفيس بوك: يُخيّم الخوف على الرجال والنساء الذين واجهوا خلال حياتهم اعتداء جنسيًّا، كما لو أنّ إرهابيّا سينقضّ عليهم ويهاجمهم في أية لحظة.
لم تصدّق المبادرة إلى الفكرة كم من الناس سيعلّقون على هذا الكلام الشديد الذي كتبته وبدأوا بمشاركة كلامها. “لقد استقبلت توجهات عديدة وأسئلة كثيرة ولذلك قرّرت تأسيس الصفحة من أجل غرس الوعي في الخطاب الحاريدي حول الاعتداءات الجنسية وطرق مواجهتها”، قالت في وسائل الإعلام.
وهدف الصفحة واضح جدا، وهو إنشاء واقع لا يصمت فيه أي شخص معتدى عليه، وإنما جعله يتحدث ويشارك جهات مهنية من أجل مصلحته ومصلحة مجتمعه، والذي يتجوّل فيه المعتدون بحرية تامة.
بعد مرور ثلاثة أسابيع منذ افتتاح الصفحة يبدو أنّها تحظى بقدر كبير من الانتشار. حتى الآن، حصلت الصفحة على أكثر من 2500 إعجاب. ويحرص مديرو الصفحة من حين إلى آخر على تحديث بعض الوسائل لمواجهة محاولات الاغتصاب وكيفية تقديم إسعافات أولية للضحايا. ويحرص مديرو الصفحة على الحفاظ على السرية التامة أيضًا. تصل التعليقات كرسائل إلى الصفحة أو البريد الإلكتروني الخاص بالمديرين. وهم لا ينشرون أسماء الضحايا ويحرصون على حجب المعلومات التعريفية، قبل نشر القصص الصعبة.
كانت القصة التالية إحدى القصص الصعبة التي نُشرت في الصفحة:
“بدأت الأيدي بلمسي وبالطبع سألني إن كنت أشعر على ما يرام”، هذا ما قاله الفتى في إحدى الشهادات التي وصلت إلى محرري الصفحة. “في الواقع أحسست بشعور جيد جدا. ولكن بعد ذلك عندما خلع عني بنطالي، طلب مني الاستلقاء على السرير. أطعتُه مثل الروبوت، خفتُ ربّما من المجهول، وحينها قال لي: أعدك أنّ هذا لن يكون مؤلما”.
ويرغب مديرو الصفحة الذين اشتهروا فعلا عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية وهم معروفون بين أوساط المجتمع الحاريدي، بالاستمرار في هذا المشروع وإقامة برنامج تربوي وتقديم مساعدات أكبر من خلال توجيه الحالات الأكثر صعوبة إلى جهات المساعدة ذات الصلة. في الواقع هم يرغبون بغرس الوعي وكسر حاجز الخوف والخجل، والذي يُهدد كثيرا مجتمعهم المغلق.