كانت تقاليد الخلافة السعودية حتى وقتنا هذا محافظة ومنحت أولوية لأبناء مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز آل سعود. كان يُفترض أنه طالما هناك احتمال أن يحظى الأبناء بالعرش، حتى وإن كانوا في سن متقدم، ويعانون من مشاكل صحية و/أو نفسية معقولة، فيمكن الحفاظ على الاستقرار في المملكة. في العقدين الماضيين، بدأ جيل الأحفاد يطور أحلاما، ولكن بما أن جيل الأبناء ما زال موجودا احترم الأحفاد ترتيبات الخلافة وهكذا حافظوا على صورة العائلة المالكة ذات العلاقة المتينة.
في شهر نيسان 2015، قرر الملك سلمان إقالة أخيه مقرن، من منصب ولي العهد، وتعيين أبناء جيل الأحفاد، بما في ذلك اختيار ولي العهد محمد بن نايف ونائب ولي العهد، محمد بن سلمان (ابن الملك). زعزعت هذه الخطوة أحد شعارات الاستقرار في المملكة السعودية: تزعزع مبدأ الخلافة الذي كان يستند إلى فكرة أن البالغ ذي المسؤولية والخبرة أفضل من شاب عديم الخبرة. أكمل أمس الملك الخطوة وعين نجله ولي العهد بدلا من محمد بن نايف، وبدأت وسائل الإعلام فورا بحملة مديح حول قيادة الملك وابنه عسكريا ودينيا. ولكن قرار الملك قد يؤثر في استقرار المملكة.
ألقيَت على بن سلمان عديم الخبرة حتّى الآن مسؤولية مجالين هامين في المملكة: الدفاع والاقتصاد. عندما شغل بن سلمان منصب وزير الدفاع، بادر إلى خوض الحرب في اليمن ضد الحوثيين في آذار 2015، مؤكدا على أن الجيش السعودي، الذي بحوزته أفضل الوسائل القتالية العصرية، سيهزم مليشيات الثوار بسهولة. لم تؤدِ مبادرته إلى تورط المملكة في الحرب الطويلة، الباهظة وغير الناجعة فحسب، بل إلى تعرض الحدود السعودية الجنوبية إلى هجمات متواصلة على يد الثوار الحوثيين. هكذا كشف بن سلمان عن ضعف المملكة عسكريا مثيرا احتمال حدوث مواجهة مباشرة بين السعودية وإيران، راعية الحوثيين.
فضلًا عن ذلك، خلال عام 2015، حاول بن سلمان، عندما شغل منصب وزير الدفاع، أن يسيطر على الحرس الوطني السعودي، قوة سيادية، من خلال تجاهل صلاحية ضابطه، الأمير متعب بن عبد الله، حليف بن نايف. أدت خطوته هذه إلى أزمة خطيرة بين الملك سلمان وبينه وبين القبائل التي تخدم في الحرس الوطني (مثل زهران والحمادي). أدى أبناء هذه القبائل الولاء لضابطهم، في خطوة مثيرة للغضب ضد الملك وابنه. خشي الملك من تفاقم الغضب ضده، فأعاد إلى الأمير متعب كافة صلاحياته لتهدئة رجال الحرس الوطني. ولكن الطريقة التي عرض فيها بن سلمان الجيش المنتظم كقوة وطنية سعودية مركزية، أثناء الحملة على اليمن في ذلك العام، ظلت خالدة في ذاكرة أفراد الحرس الوطني.
تقريبا، منذ أن بدأ بن سلمان بشغل منصبه وجه انتقادا لاذعا ضد دور ولي العهد حول عمليات الإرهاب في المملكة والحوادث التي ألحقت ضررا بالحجاج في مكة عام 2016، ويتحمل مسؤولية هذين المجالين بشكل مباشر الأمير محمد بن نايف، وزير الداخلية. استغل بن سلمان الذي يحظى بتشجيع كبير من الجيل الشاب بسبب انفتاحه بشأن الإصلاحات، بما في ذلك مكانة المرأة، عداوة الشبان للأمير محمد بن نايف. دفع بن سلمان حرية التعبير عن الرأي قدما في مواقع التواصُل الاجتماعي في حين أن خصمه “أمير الظلام” كان يعمل جاهدا ضد المجتمعات الافتراضية الكثيرة التي أعربت عن معارضتها للمؤسسة التقليدية. فهم الكثيرون من أبناء الأسرة المالكة في ذلك الحين أن بن سلمان يطمح إلى تعزيز مكانته كولي العهد الحقيقي.
في المنتصف الثاني من عام 2016، انتشرت في أوساط الأسرة السعودية المالكة رسالة تطالب بإعفاء الملك من منصبه بحجة أن صحته الجسمانية والنفسية تشكل خطرا على استقرار السعودية. كانت الرسالة مجهولة الهوية ولكن اعتقد الكثيرون أن أحد الأمراء قد كتبها. الانتقاد المركزي الذي ورد في الرسالة هو تركيز الصلاحيات في أيدي بن سلمان، رغم أنه عديم الخبرة والثقافة. من بين داعمي هذا الانتقاد هناك إخوة غير أشقاء للملك بن سلمان وهم الأمير سلطان، الأمير فيصل، وعبد العزيز. لقد كانوا غاضبين بسبب تعزيز مكانة أخيهم الشاب وادعوا أن والدته هي التي أثرت في والدهم الذي يعاني من الخرف، وأدت إلى أن يختاره بدلا منهم رغم أنهم يتمتعون بخبرة أكبر وهم أكبر منه سنا.
شوهدت علامات عدم الاستقرار في إطار الغضب المتزايد في أوساط القيادة الحاكمة ضد خطوات اتخذها الملك سلمان لدفع ابنه قدما رغم أنه شاب ويفتقد إلى الخبرة، ورغم تجارب الماضي (تدمرت المملكة السعودية الثانية بسبب نزاعات الخلافة بين الإخوة). تشكل هذه العوامل، إضافة إلى أزمات اقتصادية، اجتماعية، وإقليمية واقعا قابلا للانفجار في المملكة.
هناك تفسيران أساسيان لفهم الخطوات التي اتخذها الملك. الأول هو التحديات الاقتصادية التي تتعرض لها المملكة. ومن بينها، هبوط سعر النفط ، وارتفاع ميزانية الأمن بشكل غير مسبوق، بالمقابل هناك توقعات لدى الجيل الشاب لإحداث إصلاحات، تمنع من نظام الحكم متابعة منح المواطنين مزايا اعتادوا عليها وما زالوا ينتظرونها. بهدف تمويل احتياجات المملكة هناك تخطيط لإجراء تقليص جذري في التمويل، رفع الضرائب، وتطوير القطاع الخاصّ، بهدف إجبار الطبقة الوسطى المثقفة على الانخراط في المملكة والتخلي عن حلم تولي وظائف حكومية مريحة.
أصبح يدرك بن سلمان جيدا الواقع الجديد، ووعد بأن يعمل على خلق ستة ملايين أماكن عمل جديدة، لا سيّما للشبان حتى عام 2030. توصل الملك إلى قناعة لا سيما على يد والدة ابنه، أن ابنهما يفهم أفضل من الآخرين التحديات التي تتعرض لها المملكة السعودية، عند الأخذ بعين الاعتبار أن معظم السكان في المملكة هم شبان (معدل العمر في السعودية هو 28.6). تحمل ولي العهد الجديد، بن سلمان مسؤولية “رؤية السعودية 2030”. في حال قام بأمور استثنائية ونجح فيها، فإن الشرعية التي سيحظى بها قد تدفع الملك نحو الاستقالة لأسباب صحية ضامنا أن يكون ابنه ولي العهد حقا.
أما التفسير الثاني يعود إلى تأثيرات الهزة الإقليمية (المعروفة أيضًا باسم الربيع العربيّ). تتصدر المملكة السعودية في يومنا هذا جبهة الصراع بين الدول العربية السنية وبين إيران وحلفائها الشيعة. يشهد لبنان، سوريا، العراق، اليمن، وقطر صراعا، حيث سيحسم مستقبل المنطقة ومستقبل السعودية أيضا. يتولى بن سلمان معظم هذه الصلاحيات الكبيرة. عليه أن يضمن سقوط الدول العربية الحليفة لإيران، أو بدلا من ذلك أن تقتنع هذه الدول بأن السعودية ستعارض بشكل فعال “المحور الشيعي”.
حقق بن سلمان مكاسب في تصريح مشترك له مع رئيس حكومة العراق، حيدر العابدي، حول تعزيز التعاون بين الدول، بما في ذلك التعاون ضد المنظمات الإرهابية، الصراع ضد الشرخ الطائفي الإسلامي (الشيعة والسنة)، وفي التصريح عن استثمار اقتصادي سعوديّ من أجل إعادة إعمار البنية التحتية المدمّرة في العراق. يدور الحديث عن نقطة أخرى لصالح السعودية في صراعها ضد إيران حيث يدور في العراق، وفي حال نجح بن سلمان في تحقيق هذه الخطط سيعزز مكانته كولي العهد. يشكل الائتلاف العربي ضد قطر مهمّة صعبة أيضا تقف أمام ولي العهد الجديد.
إحدى النتائج المتوقعة وراء تعيين بن سلمان هي تشكيل ائتلافين ضده وضد الملك سلمان. قد يتضمن الائتلاف الأول ولي العهد الذي تمت الإطاحة به، محمد بن نايف، الأمير متعب بن عبد الله، ضابط الحرس الوطني، والبنى التحتية الدينية، والقبائل التي ينتمي إليها جنود الحرس الوطني السعودي. يفهم جميع هؤلاء جيدا أن مكانتهم تزعزعت. في السنتَين الماضيتَين، عزز بن نايف شبكة تحالفاته في أوساط أبناء القيادة، وقد يستغلها ضد ولي العهد الجديد.
بالمقابل، يتضمن الائتلاف الثاني أبناء عائلة الأسرة الموسعة المالكة. أعرب الأمير طلال، ابن 85 وأخ الملك سلمان، علنا عن استيائه من خرق ترتيبات الخلافة. قد يتوحد الكثير من الأمراء إلى جانب الأمير محمد بن نايف لأن ليس لديه أبناء بل بنات فقط، لذلك في حال تعيينه ملكا فسيُعين أميرا آخر وليا للعهد وهكذا يستعيد ترتيبات الخلافة المرغوب فيها في نظر الكثيرين من أبناء الأسرة المالكة.
لعب ولي العهد السعودي الجديد، الأمير محمد بن سلمان، دورا هاما في زعزعة الاستقرار السياسي في السعودية منذ عام 2015. الجهة الوحيدة القادرة على إلغاء قرار الملك هي مجلس العائلة المالكة السعودية. فهو قادر على الإطاحة بالملك بادعاء أن حالته الصحية لا تسمح له باتخاذ قرارات واعية لصالح المملكة. في مثل هذه الحال، ستتم إقالة الأمير بن سلمان وحتى أنه سيُرسل إلى المنفى لفترة طويلة.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي