ظاهرة غريبة تستأثر مؤخرا باهتمام الصادر والوارد في شوارع المدن الفلسطينية النابضة بالحياة. في زيارة خاطفة إلى ميدان عرفات، الميدان المركزي في رام الله، ستتمتعون بالاستماع إلى أغانٍ إسرائيلية شرقية تصدح من مكبرات الصوت في حوانيت الميدان. فإلى جانب أسطوانات محمد عسّاف، الفلسطيني الفائز ببرنامج الواقع “عرب أيدل” (Arab Idol)، ستجدون أسطوانات لمغنين إسرائيليين عديدين معروضة للبيع.
بكل بساطة، تغزو الموسيقى الشرقية الإسرائيلية الشارع الفلسطيني، وثمّة من يدّعون أنها تنجح حيث أخفقت مساعي السلام.
في أريحا يحبون أغاني زوهر أرجوف، في نابلس يستمتعون بالاستماع إلى عوفر ليفي، وفي رام الله يصغون إلى زهافا بن. وإن سألتم الشبان الفلسطينيين من هو المطرب الإسرائيلي الأكثر شعبيّة، فإنّ الإجابة ستكون كما يبدو عومر (عُمر) آدم.
ولمن لا يعرف عومر آدم، فهو مُغنٍّ إسرائيلي (20 عامًا) يغنّي موسيقى متوسطية، أو كما تُدعى في الشارع الإسرائيلي “موسيقى شرقية”. كان ظهوره العلني الأول في أحد برامج الواقع الغنائية الأكثر مشاهدةً في إسرائيل “كوخاف نولاد” (ولادة نجم). بدأ كمتسابق في الموسم السابع للبرنامج، لكنه أقصي بعد أن تبيّن أنه قام بتقريب سنه إلى الأعلى، إلى 16 سنة (العمر الأدنى للمشاركة في البرنامج). تبيّن لاحقًا أنّ مغادرة “كوخاف نولاد” القسريّة كانت لصالحه فقط.
بعد شهر ونصف من اضطراره إلى مغادرة “كوخاف نولاد”، استغلّ آدم الزخم الجماهيري الذي قدّمه له البرنامج، وأطلق أولى أغنياته الفردية. بعد ذلك مباشرة، بدأ بإحياء الحفلات. مذّاك، يحيي بين 20 و25 حفلة شهريًّا – بما فيها مناسبات وأفراح عائلية.
استمعوا إلى آخر أغاني عومر آدم المشهورة:
ويعود الفضل في جزء من جماهيرية آدم إلى عائلته. فآدم هو سليل أسرة عسكرية عريقة. جده شموئيل آدم، عقيد في الاحتياط، كان من مؤسسي وحدة مكافحة الإرهاب، وأبوه يانيف، رائد في الاحتياط، كان نائب قائد “شالداغ” ونائب قائدة لواء المظليين. ومن أقربائه الآخرين يكوتيئيل آدم، نائب رئيس الأركان الذي قُتل في حرب لبنان الأولى، وأودي آدم، قائد قيادة الشمال في حرب لبنان الثانية (حرب تموز).
استمعوا إلى الأغنية الأكثر شعبية لعومر آدم: “بوئي عخشاف” (تعالَي الآن)
لكن إياكم أن تخطئوا. فالمطرب الفلسطيني، ابن غزة، محمد عسّاف (غادر مؤخرًا غزة إلى رام الله بإذن خاصّ منحته إيّاه إسرائيل لتطوير مسيرته الموسيقية في العالم العربي) لا يزال مصدر الفخر الفلسطيني. فالمُلصقات والصور العملاقة لا تزال تزيّن مدن الضفة الغربية. مع ذلك، يمكن العثور أحيانًا على عدد لا بأس به من أنصار عومر آدم والموسيقى الشرقية الإسرائيلية عامةً.
الظاهرة نفسها مألوفة جدًّا بين الفلسطينيين سكّان القدس الشرقية. فقد كانوا أوّل من بدأ بالاستماع إلى الموسيقى الشرقية، ورُوَيدًا رُوَيدًا بدؤوا بنقلها إلى المدن الفلسطينية.
ويشهد المواطنون الفلسطينيون الأكبر سنًّا أنّ أغاني الراحل زوهر أرجوف (1987) كانت تصدح من مسجلاتهم القديمة حتى قبل صعود الجيل الجديد من الغناء الشرقي.
والظاهرة الأكثر عجبًا هي بروز مغنٍّ شابّ آخر يعتمر “الكيباه” اسمه زيف يحزقيل بين المغنين الإسرائيليين الذين يحظون بالمزيد من التقدير في أوساط الجمهور الفلسطيني. يغني يحزقيل، شاب يعتمر الكيباه (القلنسوة التي يعتمرها المتدينون اليهود) ابن التاسعة والعشرين، تكرارًا مع جوقة الناصرة الرسمية، وقد حظي بلقب “المطرب اليهودي الذي يغنّي بالعربية”. معظم حفلاته تقدَّم أمام جمهور عربي والذي لا يخجل من إبداء إعجابه.
في إحدى مقابلاته مع الإعلام الإسرائيلي، قال يحزقيل: “بدأتُ مسيرتي بالغناء العربي، متأثرًا تحديدًا بالتراتيل من الكنيس المغربي. قسم من التراتيل التي سمعتُها في نعومة أظفاري يُغنّى بألحان لأغانٍ عربيّة. انتابني الفضول للتعرُّف إلى المصدر، فبدأتُ بالاستماع إلى الأغاني. بعد ذلك، أردتُ أن أفهم أيضًا ما أسمع، لذلك بدأتُ بدراسة العربية قراءةً وكتابةً. حاليًّا هذا هو انشغالي الرئيسي، وهو أيضًا هدفي كما أظنّ”.
شاهدوا زيف يحزقيل يؤدّي أغنية أم كلثوم، “أمل حياتي”
رغم المشكلة التي يمكن أن تثيرها، فإنّ قلنسوة يحزقيل لا تفارق رأسه طيلة حفلاته أمام الجماهير العربيّة. “هذه هي علامتي التجارية”، يقول، “وفيها أظهر في كل مكان. في إحدى الحفلات التي أحييتُها مع فرقتي في الناصرة، توجّه أحدهم إليّ، وقال إنه لا يمكن أن أكون يهوديًّا. أشرتُ إلى “الكيباه”، ومع ذلك لم يُصدِّق”. يحيي يحزقيل حفلات أيضًا أمام جاليات عربية في العالم: في الولايات المتحدة ولندن.