الشهر المسمى “أيلول” العبري (الذي يختتم السنة العبرية)، هو ليس اسما إضافيا للشهر التاسع في التقويم الميلادي، وإنما هو شهر ذو أهمية دينية خاصة في اليهودية.
ينبع تميّز هذا الشهر من عاداته وصلواته. من المعتاد الاستيقاظ فيه باكرا من أجل أداء صلوات خاصة تدعى “الكفارة”، النفخ في الشوفار في نهاية صلاة الصباح. وكذلك محاسبة النفس. كل ذلك، استعدادا للشهر الذي يأتي بعده، تِشْري، (الشهر الأول من التقويم العبري) الذي تُصادف فيه أعياد يهودية عديدة، ومن بينها رأس السنة اليهودية وعيد الغفران.
وفقا لتقاليد أخرى، بعد أن كسر موسى ألواح العهد التي تلقاها في جبل سيناء، صعد مجددا إلى الجبل في اليوم الأول من شهر أيلول العبري، من أجل الحصول على لوحي العهد، ونزل معهما من الجبل بعد مرور 40 يوما، وذلك في يوم الغفران. وأثناء تواجد موسى على جبل سيناء، كشف له الله آيات خاصة تصف مدى رحمته، فوفق العقيدة اليهودية، عندما يذكر اليهود هذه الآيات يثيرون شفقة الله. وهناك من يؤمن أن هذه الأربعين يوما تدعى أيام الرحمات والكفارات.
هناك تفسيرات عديدة في اليهودية للتقاليد والعادات الخاصة بشهر أيلول العبري. في التيار الديني الحاسيدي، المستند إلى مفهوم لاهوتي جوهري، من المعتاد تفسير قداسة هذا الشهر من خلال المثل أنه: “يخرج الملك (أي الإله) من قصره، إلى الحقل”. والقصد هو أنّه في هذا الشهر، يكون الله أقرب إلى المؤمنين، ويستمع إلى طلباتهم.
في السنوات الأخيرة تقوم في ليالي شهر أيلول العبري “جولات كفارات” في الأحياء القديمة والدينية من المدن مثل القدس، عكا، طبريا، وصفد. أصبحت هذه الجولات عامل جذب سياسي سواء بالنسبة للإسرائيليين أو السائحين من خارج البلاد. من المعتاد في الجولات في طبريا زيارة قبور الصدّيقين المتعددين الموزعين في أرض المدينة، وفي المدينة الحاريدية “بني براك” تُقام جولات توفر لمحة نادرة إلى داخل منازل اليهود المتدينين (“حاريديم”)، وفي القرية القديمة البقيعة، التي تم فيها تلقي كتاب “الزوهار” الذي يحتوي على أسرار التصوّف اليهودي، تقص فلاحة جليلية مسنّة على الزوار كل عام في شهر أيلول العبري التاريخ الديني الصوفي الخاص بقريتها.
ولكن كانت القدس “ملكة” جولات الكفارات وما زالت. ففي الأحياء اليهودية القديمة في القدس، والمعروفة بأجوائها الفريدة في شهر أيلول العبري، تجري مئات الجولات في الساعات الأولى من الليل طوال هذا الشهر، ويأتي المتجوّلون لسماع الصلوات الخاصة قبل شروق الشمس، للتعرّف على الصيغ والعادات المختلفة للكُنُس في المدينة ولاستيعاب الأجواء الفريدة في هذا الشهر.