توفّر لنا الثورة الرقمية اجتياز الحدود الافتراضية دون وساطة. هذا ما حدث معي أيضًا، عندما التقيت في فيس بوك عراقيين متسامحين مع اليهود، بل ويجرؤون على المطالبة بأن يحصل هؤلاء على ممتلكاتهم التي سُلبتْ منهم.
مع الصعب أن نصدّق، من بين أمور أخرى، بسبب أن حكومة إسرائيل نفسها لم تدرك ذلك. ولكن الحنين والشوق ليهود العراق، الواضحين أيضًا في مقالات لكتّاب عراقيين في مواقع عربية، هما ليسا افتراضيين فقط. فهما حاضران بذاتهما أيضًا في لقاءات وجهًا لوجه.
أتاحت لي رحلتي الأخيرة إلى لندن لعرض فيلمي الوثائقي “ظلّ ببغداد”، في إطار منتدى مئير بتسري وبرعاية المركز الثقافي العراقي، محادثات رائعة وأعادت تواصلي من جديد مع ألحان محبّبة.
يتناول الفيلم البحث عن والدي، الذي اختفى في بغداد في بداية السبعينيات بعد أن هربت مع شقيقي من العراق. وقفتُ مندهشة أمام جمهور كبير من العراقيين المسلمين، بعضهم لاجئين من بلادهم، ممّن تماهوا مع مصير والدي المرير ورأوا فيه قصة شائعة من فترة النظام الدموي للبعث في العراق.
“إنها صرخة عشرات آلاف العراقيين الذين تقاطع مصيرهم مع مصير والدك”
اندمج التعاطف في صوت المشاهد العراقي الذي بارك لي على هذا الكشف الشجاع وقال: “إنها صرخة عشرات آلاف العراقيين الذين تقاطع مصيرهم مع مصير والدك”. توجّه لي في الاستراحة طبيب مع زوجته وابنته، والتي وُلدت في بريطانيا، وعانقني. “جعلتِنا نبكي”، كما قال، وحكى لي إنّ ابنته رفضت الذهاب للمنزل قبل أن تشاهد الفيلم كاملا.
سيقول المنتقدون: هؤلاء يعيشون في لندن منذ سنوات وهم ليسوا عراقيّين بعد. أوافق على ذلك، ولكن هذه الأصوات تُسمع الآن في العلن ودون خوف.
تذكر الدكتورة خالدة حاتم، التي نشرت كتابا عن الكتّاب اليهود العراقيين، أنّ اليهود كانوا جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي، الاقتصادي والثقافي في العراق الحديث
إنّنا نعيش بمعزل عن التطوّرات في العالم العربي الذي حولنا. كلّما كانت حدودنا وحياتنا مهدّدة فإنّنا نستيقظ في حالة من الذعر، ولكن نحن لسنا على بيّنة من التغييرات الإيجابية والمهمّة والتي سيكون لها تأثير على المدى البعيد.
يُكثر باحثون وكتّاب عراقيون في السنوات الأخيرة من الحديث عن يهود العراق. الأمر مستَغرَب، إذا نظرنا إلى انهيار البلاد وتفكّكها لمكوّناتها العرقية. ربما يكمن التفسير في المثل اليهودي الذي يقول “عندما تكون حزينًا تذكّر حفل زفافك”.
تذكر الدكتورة خالدة حاتم، التي نشرت كتابا عن الكتّاب اليهود العراقيين، أنّ اليهود كانوا جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي، الاقتصادي والثقافي في العراق الحديث
في موقع “ونلتقي” بالعربية، والذي أنشط فيه مع شركاء عرب من المنطقة، أوضح مدير المركز العراقي للتعدّدية الثقافية، غيث التميمي، بأنّ العودة إلى المسألة اليهودية كامنة في هيمنة ذكرى اليهود في الوعي الجماعي العراقي، وبكون التحوّلات السياسية بعد سقوط نظام صدّام قد أثارت المسألة اليهودية في النقاش العام من جديد، والتي يرتبط العديد من مكوّناتها بما يحدث في العراق اليوم: الحرمان من المواطنة، انتزاع الملكية، طريقة تسوية النزاعات، وإعادة تأهيل الضحايا ودمجهم في المجتمع العراقي من جديد.
وتذكر الدكتورة خالدة حاتم، التي نشرت كتابا عن الكتّاب اليهود العراقيين، أنّ اليهود كانوا جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي، الاقتصادي والثقافي في العراق الحديث (بدءًا من العشرينيات من القرن العشرين). وقد لقيت هذه الكلمات صدى في مقال نُشر في الصحيفة الرائدة “الشرق الأوسط”، والتي تصدر في لندن، حيث قيل فيه إنّ اختفاء يهود العراق وسلبهم من ممتلكاتهم أكثر ملاءمة للتطوّرات الحالية في الشرق الأوسط: السرقة والترحيل التي هي مصير الأقليات في الشرق الأوسط كالمسيحيين واليزيديين.
ليندا منوحين هي صحافية إسرائيلية تكتب في مواقع إخبارية عربية، وقد هربت من العراق إلى إسرائيل في سن العشرين.
نشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع Can Think