أي شخص في إسرائيل، عربيًا كان أو يهوديًا لا يعرف سوق الرابش في يافا؟ السوق الذي يزدحم بالناس في كل أيام السنة، يشكّل مركز استقطاب ليس فقط للسكان المحليين، بل كذلك للكثير من السائحين الذين يأتون لزيارة المدينة ولعشاق الأشياء النفيسة والأغراض المستعملة.
يمر الزوار في أزقة يافا في الكثير من المرات عبر السوق. وعادة فإن المحلات التجارية والأشكاك تكون ثابتة، ولكن يمكن أيضًا العثور على أشكاك تقدم الأدوات بشكل مستقل؛ من فائض البضائع القديمة والجديدة، التحف القديمة، أشياء من الماضي وقطع الخردة.
وقد استخدمت هذه المنطقة، كمناطق أخرى في يافا، من قبل المجمعات الصليبية التي عاشت هناك، ولكنها هدمت وأقيمت من جديد في العهد العثماني. ويعمل السوق في ذلك المكان منذ القرن التاسع عشر، فقد ازدهرت في تلك الفترة الحياة التجارية المحلية، وكانت يافا مدينة فيها ميناء ومركزًا للحجاج في طريقهم إلى القدس أو إلى مكة. وقد تبلور السوق في عصر الانتداب البريطاني ليصل إلى ما هو عليه حاليًا.
ويمرّ المجمّع في السنوات الأخيرة بتغييرات واسعة النطاق في البنى التحتية، تغييرات في التصميم المعماري من أجل أن يناسب العصر الحديث. ويمكن ملاحظة هذه التجميلات في السنوات الثلاث الأخيرة: فإلى جوار بائعي الشارع، الذين يناضلون في الشمس الحارقة، وتجار التحف القديمة الذين يكتفون بمراوح معدنية صاخبة للتبريد، يقع مكان التجار الجدد، الذين لا يشعرون إطلاقا بحرارة الصيف أو برد الشتاء. إنهم لا يعرقون، ولا يتبللون من الأمطار، ولا تختلط بضاعتهم بروائح السوق اللاذعة. ويستقبلون الزبائن في محلاتهم المكيّفة، المعطرة والعصرية.
وقد تم إجراء هذا التغيير بفضل مبلغ 100 مليون دولار كانت قد دفقته بلدية تل أبيب – يافا في العقد الأخير من أجل تجديد سوق الرابش ومجمّع ميدان الساعة. وقد بدأ الأمر يعطي ثماره مؤخرًا. فقد بدأت ماركات الأزياء في الدخول إلى السوق الذي لم تكن قد انتشرت فيه محلات الأزياء حتى هذا الوقت، وينتشر فيه العاملون في القطاع العقاري ليلا ونهارًا، وبدأت إقامة الكثير من المشاريع العقارية المرموقة. وأصبحت الشوارع المكشوطة والملوثة خلابة، ويطلّ المصمّمون المحليون من كل زقاق.
وتترافق هذه العملية السريعة والجذرية مع مشاعر مختلطة. يرى أنصارها أن المنطقة تتحول إلى جوهرة يافاوية محدّثة، ويقارنون بينها وبين حيّ “نافيه تسيدك” في الجهة الشمالية منها. والمتحفّظون غير معجبين بمقارنتها مع ذلك الحيّ الفاخر، ويخشون أن تسحق هذه العمليات في نهاية المطاف الأصالة والزيادة في مستوى الأسعار.
هناك آثار أخرى للزيادة في الأسعار والفوائد في المنطقة: فعلى سبيل المثال تظهر في نهاية السوق مئذنة مسجد سكسك، وتذكر الناس في السوق بالحاجة إلى التعايش في المنطقة. خلال 61 عامًا كان المسجد مغلقا ومهجورًا، واستخدم في أعمال تجارية مختلفة، وفي صيف 2009، بدأ نشطاء الجمعية الإسلامية في يافا بأعمال ترميم واسعة النطاق، من أجل إعادة فتحه. وقد قوبلت الخطوة بأصوات معارضة. فقد قامت إحدى المقيمات في السوق، وهي ممثلة سكان المنطقة، بنشر طلبها الذي أرسلته لرئيس البلدية في أحد المواقع الإخبارية المحلية. وبحسب ادعائها، فإن التجديدات في المسجد قد قامت دون تصريح، وهذا يعتبر انتهاكًا للملكية. وقد أعربت عن قلقها في أن يشكل المسجد عبئا ثقيلا على سكان السوق: “يأتي إلى المكان عشرات المصلّين، حيث يقيمون صلواتهم ويجتمعون لتدخين الأراجيل. إنْ كان هذا هو ما يحمله المستقبل لنا، فإن حياتنا لن تطاق”، هكذا كتبت.
وقد رد على هذه الأمور أحمد مشهراوي، الذي كان عضوًا في مجلس مدينة تل أبيب (باسم حزب ميرتس)، في نفس الموقع الإخباري. وعلى ما يبدو أن كلماته تعكس مشاعر سكان يافا العرب، الذين يراقبون عن بعيد تحوّل السوق إلى مجمّع فاخر: “أنت، كيهودية، يمكنك في كل لحظة أن تقومي وأن تذهبي لشراء قطعة أرض في كل مكان في الدولة. أما أنا، كعربي، لا أستطيع أن أتزحزح من عدة كيلومترات مربعة مخصصة لي في يافا. لا يوجد لدي أي مكان أذهب إليه. ولدتُ هنا، وتتواجد هنا في يافا بعض الرموز الدينية والثقافية المرتبطة بي كأقلية”. وقد افتتح المسجد قبل قرابة الأربع سنوات، رغم أنف الأصوات المعارضة، في حفل حضره عشرات المصلين المسلمين.
كجزء من تجديد المكان باعتباره منطقة سياحية، مرّ المكان بثورة في مجال المطاعم والحياة الليلية. فإلى جانب البوفيهات والمطاعم الناشطة، قامت مطاعم، ومقاهٍ وحانات عصرية. والتغيير الملفت للانتباه: من يحضر إلى السوق في ساعات الليل سوف يفاجأ بعدد الزوار وبكثرة عدد أماكن الاستجمام التي يوفرها المكان. مطعم إيطالي، سوشي، محلات البوظة، حانات الأحياء، وأماكن أخرى.
أصبح الدمج بين الجديد والقديم هو الاسم الثاني للسوق، والذي كما يبدو سيبقى لسنوات عديدة يخدم السكان المحليين غير المتجانسين وزواره من الخارج.