تصريح الرئيس الإيراني حسن روحاني في لقائه الذي أجراه مع ممثّلي وسائل إعلام أمريكية في نيويورك يوم الجمعة قد يحمل المفاجآت للوهلة الأولى. “لا أرى تحالفا بين إيران وروسيا في القتال ضدّ الإرهاب في سوريا”، كما قال روحاني، وناقض كما يُفترض مجموعة متنوعة من التقارير في الأسابيع الأخيرة حول التنسيق الوثيق بين موسكو وطهران في كل ما يتعلق بنشر قوات عسكرية روسية في منطقة اللاذقية في سوريا.
على خلفية تصريحات روحاني غير الواضحة، تبدو الموافقة المقتضبة التي أعطاها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على سؤال مجري المقابلة الأمريكي، تشارلز روز، حول إذا ما كانت بلاده قد أرسلت قواتها من أجل منع سقوط نظام بشار الأسد (أجاب بوتين “أنت محقّ”) منعشة ببساطتها، تقريبا.
لا ينبغي بطبيعة الحال تلقي تصريحات بوتين وروحاني على بساطتها. ولكنها تشير إلى أنّه رغم التقارير حول زيارات قائد قوة “قدس” الإيراني قاسم سليماني إلى موسكو، ونشر شبكة “فوكس”، يوم الجمعة بأنّ روسيا وإيران أقامتا مقرّ ارتباط في بغداد لتنسيق عمليات قواتهما في سوريا، يمكن أن نعزو درجة من المصداقية لتقارير المراسلين الغربيين الموجودين في طهران ودمشق بخصوص أنّ خطوات روسيا الأخيرة تحديدا قد “فاجأت” القيادة الإيرانية ولم تكن بحسب رغبتها.
حتى الآن، اعتُبرت روسيا وإيران حليفتين، وهدفهما المشترك هو الحفاظ على نظام الأسد. زودت كل منهما النظام السوري بالسلاح، خطوط الائتمان والاستشارة العسكرية، في حين أضافت روسيا مظلة دبلوماسيّة بواسطة قوة الفيتو الخاصة بها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتي منعت تحرّكات دبلوماسيّة ضدّ الأسد. ووفّرت إيران، بواسطة حزب الله وميليشيات شيعية أخرى، قوى بشرية ملأت صفوف الجيش السوري المتناقصة. وقد انتهك الدخول المفاجئ للقوات الاستطلاعية الروسية التوازن في تحالف الأسد: تحوّلت روسيا من داعمة من بعيد إلى شريكة فاعلة على الأرض، وبين عشية وضحاها أصبحت عاملا أكثر تأثيرا بكثير، بشكل أطفى على السطح مصالحها المختلفة في بقاء نظام الأسد في دمشق.
بالنسبة لقيادة الثورة الإسلامية في إيران، فإنّ الحفاظ على سوريا في المحور الشيعيّ كخلية تربطها (وتربط المناطق الشيعية في العراق) ببؤرتها الأمامية، في لبنان، حزب الله، هو ضرورة وجودية تقريبا. دون سوريا، فإنّ التأثير الإقليمي والقدرة على السيطرة عن بُعد فيما يحدث بلبنان، على التوجيه، على التسليح والدفاع عن حزب الله كعنصر قوة رئيسي، كان سيتضرّر بشكل خطير.
في المقابل، لا يستطيع كرملين بوتين أن يترك الأسد وشأنه، وعلى الأكثر، كان سيفقد بعض هيبته. إنّ قرار بوتين بالمخاطرة واستثمار الموارد، رغم ذلك، في سوريا، يمنع بشكل أساسيّ من استغلال الفراغ الناشئ من تقاعس الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط، وخلق نفوذ يساعد روسيا على إعادة احتلال موقعها في الساحة الدولية والذي فقدته في أعقاب غزو أوكرانيا في السنة الماضية. أصبحت سوريا، الأسد والمصالح الإيرانية أيضًا رهائن للأهداف الجيوسياسية لدى بوتين.
يمكن للرئيس الروسي على سبيل المثال أن يقرّر، كما يفترض أنه وافق في لقائه مع بنيامين نتنياهو في الأسبوع الماضي، تنسيق خطواته مع إسرائيل أيضًا والسماح لسلاح الجو الإسرائيلي بالاستمرار في الطيران فوق سوريا ومهاجمة قوافل السلاح التابعة لحزب الله (كما تقول وسائل إعلام أجنبية بأنّ هذا ما قامت به في السنوات الماضية). يمكنه، بالاتفاق مع أوروبا والولايات المتّحدة، أن يفرض على الأسد انتخابات وتعاون مع المعارضة، حتى أولئك الذين يعارضون التدخّل الإيراني في سوريا. يمكن لبوتين أن يقرّر أنّه من الأفضل لسوريا أكثر أن تتعاون مع خصوم إيران السُنة – السعودية ومصر – لإيجاد حلّ للحرب الأهلية. في كل مرحلة، يمكنه أيضًا أن يعيد القوات الروسية إلى بلادها، مع معداتها.
بخلاف الدعم الروسي للانفصاليين في أوكرانيا، جورجيا ومولدوفا، فلا يوجد توق قومي روسي تجاه أوطان قومية في أقاليم حلب وحمص. في حال جرت صفقة دائرية تحصل فيها روسيا على اعتراف غربي بجزء من طموحاتها في المنطقة السوفياتية سابقا، مقابل التعاون في إيجاد حلّ طويل الأمد في سوريا والذي قد يوقف تيار اللاجئين إلى أوروبا وربما أيضًا يسمح بعودتهم إلى البلاد، فلن يتردّد بوتين في التخلي عن الإيرانيين.
يمكن أن ننظر الآن إلى زاوية أخرى في المواجهة بين روسيا وإيران من خلال أعين عشرات آلاف اللاجئين السوريين الذين يتزاحمون في شوارع أوروبا. فمن بينهم هناك عدد غير قليل من المواطنين الذي قدِموا من مناطق ومجموعات سكانية مؤيدة للأسد. يقولون إنهم قرروا الرحيل لأنّهم توصلوا إلى نتيجة أنّه حتى لو بقي النظام، فسيكون تابعا لإيران فقط، وهو بديل في نظرهم – كسوريين علمانيين – ليس بعيدا جدا عن حكم داعش. إنّ دخول روسيا إلى الساحة يطرح احتمال أنّ الأراضي السورية التي تبقت تحت سيطرة نظام الأسد، أو من سيأتي مكانه، قد تصبح تحديدا دولة تحت الرعاية الروسية، وليست مقاطعة إيرانية شيعية. في نظر الغرب ربما لا يشكل هذا الاحتمال فرصة كبيرة، ولكن بالنسبة للكثير من السوريين فسيكون أفضل بكثير من الخيارات الأخرى.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس“