كان يهدف قتل السفير الروسي في أنقرة إلى الرد على روسيا بسبب ارتكاب جرائم الحرب في حلب ودق إسفين بينها وبين تركيا، ولكن نتائجها ستكون معاكسة. سيؤدي القتل، كما يبدو، إلى تعزيز موقف روسيا في بلاد الشام وإلى نهاية حزينة للهولوكوست السوري.
رغم أن الصورة على الأرض مُربكة أحيانا، يمكن للنظرة العامة أن تكشف بوضوح عن المعسكرات الكبرى المتورّطة في الأزمة السورية. من جهة، في المعسكر “المؤيّد للأسد”، تقف قوة عظمى عالمية واحدة، روسيا، وقوة عظمى إقليمية واحدة، إيران، وقوتان محليّتان: الجيش السوري المنهك وقوات التدخّل السريع التابعة لحزب الله. من جهة أخرى، هناك قوة “معادية للأسد”، صورة طبق الأصل، تقف قوى عظمى عالمية واحدة، الولايات المتحدة، قوة إقليمية واحدة، تركيا، وقوات محلية، بشكل أساسيّ الثوار السنة، بدعم وتمويل محدّدين من دول أوروبا، السعودية، ودول الخليج.
مع انتخاب دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة، وقبيل دخوله إلى البيت الأبيض، فإنّ دعم الولايات المتحدة (المحدود منذ الآن) للمعسكر المعادي للأسد آخذ في التقلّص إلى الحدّ الأدنى وربما الاختفاء تماما. ستُركّز إدارة ترامب، التي تخلّت فعليا عن الالتزام الأمريكي لتقديم المساعدة على تنحية الأسد عن الحكم، على مهمة واحدة فقط – القضاء على قوة تنظيم داعش. نتيجة لذلك ستُغادر أيضًا القوات المحدودة التي ضمّتها أوروبا إلى التحالف. في المعركة ضدّ الأسد ستبقى إذا كان الأمر كذلك تركيا فقط، كداعم عسكري لقوات المعارضة السورية.
كانت المهمة الرئيسية لتركيا حتى اليوم إسقاط الأسد وإبداله بحكم سنّي، في الوقت الذي كان هناك هدف ليس أقل أهمية وهو منع إقامة حكم ذاتي كردي على حدودها الجنوبية. العلاقة بين الأكراد السوريين وبين حركة التمرّد الكردية داخل تركيا وثيقة جدا كما يعتقد النظام في أنقرة، ومن شأن حكم ذاتي كردي كهذا أن يدفع ملايين الأكراد في تركيا إلى إثارة الفوضى والمطالبة بالاستقلال.
ولكن تركيا فشلت بشكل واضح في هدَفيها. مع احتلال حلب تعزز موقف الأسد، ولم تنجح أيضًا محاولة إيقاف الأكراد. في آب 2016 قامت تركيا بالغزو في شمال سوريا، بشكل أساسيّ من أجل منع إنشاء ربط بين الجيبين الكرديين في المنطقة ودفع داعش جنوبا، وهذا الغزو أيضًا ينزف دما كل الوقت. في الأسبوع الماضي قُتل هناك عشرات الجنود الأتراك.
إنّ تصرّف بوتين الحكيم في أعقاب قتل السفير يجبر تركيا على التفكير في المسار من جديد. بدلا من رفع عتبة التوتر في العلاقات بين البلدين، نظرا لفشل الأمن التركي المخجل، قرر بوتين استخدام ذلك كرافعة من أجل جذب تركيا إلى داخل معسكره. بعد أن أدت الأزمة الأخيرة في العلاقات في أعقاب إسقاط الطائرة الروسية إلى أن تصل العلاقة بين البلدين إلى شفير الصراع، وأجبرت تركيا على الخضوع لكل مطالب موسكو، يرغب الرئيس أردوغان بمنع أي صراع آخر كهذا بأي ثمن تقريبا، وبناء على ذلك سيقطع شوطا آخر باتجاه روسيا.
إن مزيج هذه العوامل – تعزز الأسد؛ انتخاب ترامب لرئاسة الولايات المتحدة والأجندة الانفصالية التي يعززها؛ فشل تركيا في تحقيق أهدافها في سوريا حتى اليوم، وحاجتها إلى التملّق لروسيا في أعقاب الفشل الذي أدى إلى قتل السفير، يؤدي جميعها منذ الآن إلى تشكيل سياسة جديدة في القصر الرئاسي في أنقرة. في إطارها ستسعى تركيا إلى قبول الهيمنة الروسية على منطقة الشام، وستعرب عن استعدادها رغما عنها لاحتفاظ الأسد بالحكم على معظم الأراضي السورية، ستوافق على إخراج قواتها من المنطقة الحدودية، وفي المقابل ستحاول التوصل إلى تسوية تضمن فيها روسيا وسوريا منع إقامة دولة كردية في شمال سوريا.
ستكون النتيجة، بالضرورة تقريبا، إيجاد وحدة آراء بين القوات الأكثر أهمية التي تبقت في سوريا لإنهاء الأزمة. لن تتدخل الولايات المتحدة، ستفتح روسيا وإيران أذرعها لتركيا، وستجتمع الدول الثلاثة وستتوصل إلى حلّ. ستقبله السعودية ودول الخليج دون خيار وسيتم التخلي عن الثوار السنة والأكراد تحت النظام الإجرامي لبشار الأسد.
وستضطرّ القيادة الإسرائيلية، التي كانت تأمل أن تؤدي الأزمة السورية وإسقاط الأسد إلى القضاء على محور طهران – دمشق – حزب الله، هي أيضًا إلى أن ترى تجدّد هذا المحور بقوة أكبر من الماضي. ومن الآن سيكون جزّار دمشق، بشار الأسد، أكثر التزاما تجاه راعيته إيران وحزب الله اللذين ساعداه جدا في النجاة.
نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي